خطاب عدد من المشايخ الفضلاء إلى الملا محمد عمر رحمه الله

khitaab

khitaab

قراءنا الكرام..بين أيديكم رسالة عدد من المشايخ الفضلاء، وعلى رأسهم شيخ المجاهدين في عصره الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي (رحمه الله ) إلى المجاهد الملا محمد عمر (رحمه الله)، مع بداية الغزو الصليبي على أفغانستان؛ وذلك لموقفه المشرف وثباته وزهده في الإمارة، والذي طبق عملياً معاني العدل والمساواة والعزة والكرامة، والنصرة والحماية والولاء والبراء.

بسم الله الرحمن الرحيم

أمير المؤمنين المجاهد الملا/ محمد عمر حفظه الله ورعاه وسدد على الحق خطاه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نسأل الله تعالى أن تصلكم رسالتنا هذه وأنتم في أتم الصحة والعافية.

أمير المؤمنين نحن معشر العلماء نتشرف أن ينسب إلى أمتنا أمثالكم، فلقد أثبتم حقاً عزة المؤمن، لم تكتفوا بالقول بأنكم أنتم الأعلون حتى أكدتم هذا المعنى العظيم بأفعالكم المشرفة، فالعلو في الأرض ليس العلو المادي فحسب، بل أهمها وأعظمها هو علو الدين والمبدأ، كما قال الله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) فهذه الآية نزلت على رسول الله وأصحابه رضي الله عنهم يوم أن هزموا في أحد، فالعلو الحقيقي هو علو المبدأ والدين، قال ابن عباس رضي الله عنهما (الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه) علقه البخاري في صحيحه ورواه الطحاوي بسند صحيح، فالإسلام وأهل الإسلام في علو حتى ولو هزموا في المعركة، والله تعالى يقول: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) فالعزة ملازمة لله ولرسوله ولكل مؤمن متمسك بدينه حقاً، فهو عزيز بعزة الله وبإيمانه فمن تمسك بالمبدأ الحق فهو عزيز بنص الكتاب والسنة.

أمير المؤمنين إن جهل كثير المسلمين بحقكم لا ينقص من قدركم شيئاً، فلقد أصبحتم علماً من أعلام هذه الأمة وسوف نكتب نحن تاريخ المرحلة بأيدينا، ونثبت للأجيال القادمة أنكم أنتم سادة الدنيا، ولو قتلتم دون ذلك فسوف تسطر سيركم بماء الذهب وسنشهد جميعاً لكم أمام الله تعالى بأنكم أنصح وأصدق العباد للأمة، نحسبكم كذلك ولا نزكي على الله أحداً، وسنشهد أنكم أنتم وحدكم الذين رفعتم رؤوسكم في زمن طأطأ الكثير من المسلمين رؤوسهم لدولة الكفر والصليب أمريكا، فلم يتشرف المسلمون برجل قال (لا ثم لا) لما تطلبه أمريكا في هذا العصر إلا بكم، فيا سعادة المسلمين بأمثالكم.

أمير المؤمنين لقد تجلت في أفعالكم معاني العدل والمساواة والعزة والكرامة، والنصرة والحماية والولاء والبراء، لقد أعطيتم للأمة درساً عملياً في هذه المعاني عندما كللتم قدومكم المبارك لأفغانستان وقطفتم للأمة ثمرة الجهاد ضد السوفييت والتي كادت أن تضيع بأيدي العلمانيين والشيوعيين والرافضة، فبعد أن كاد أملنا ينقطع بثمرة الجهاد، أحييتم أمل الأمة بأفغانستان وأصبحت اليوم هي محط أنظار المسلمين جميعاً، والكل يرقب العزة والنصر من أرضكم، فلقد وليتم أمر أفغانستان وطبقتم الشريعة فقلنا الحمد لله لقد نصر الله الجهاد بكم يوم أن أقمتم على أنقاض بلد مدمر ممزق ومتناحر دولة إسلامية قولاً وعملاً، فساد العدل والدين الحق وحاربتم الشرك والأضرحة وقسمتم بالسوية وعدلتم في القضية، حتى لو قال قائل إن الذئب في إمارتكم يرعى مع الغنم لما كان ذلك مستبعداً، ثم تحديتم العالم أجمع وهدمتم الأصنام عملاً بشريعة محمد التي بعث من أجلها، فقلنا لقد رزق الله الأمة من يجدد فيها ميراث إبراهيم هادم الأصنام ومتحدي الوثنية، وفرحنا بفعلكم حينما جددتم معاني التوحيد التي كانت غائبة عن الأمة منذ قرون، فالأصنام بأشكالها وأنواعها وأحجامها تملأ بلاد المسلمين، ولكن أمير المؤمنين لم يرض أن يعيش في أرض تجاوره فيها آلهة تعبد من دون الله تعالى، حتى هدمتم تلك المعبودات وأذللتم من عبدها فكادت قلوبنا تطير من الفرح بتجديد التوحيد في هذا الباب، ثم ألزمتم أهل الذمة الصغار والذلة عملاً بكتاب الله سبحانه وتعالى وبسنة رسوله كما كانوا في صدر الإسلام أذلاء يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، فقلنا عمر عصره في أفغانستان يلزم الكفار الذل والصغار في أرضه.

وجاء المحك الحقيقي الذي أثبت معدنكم الخالص الأصيل عندما تكالبت دول العالم للنيل من المهاجرين إلى أرضكم من غير ذنب اقترفوه إلا أن يقولوا ربنا الله، فتنادى الشرق والغرب من كل ملل الكفر منهم النصراني واليهودي والوثني والشيوعي والقومي والمرتد والمنافق، ليشكلوا حلفاً من دول العالم أجمع ضد عزتكم وعلوكم، فصمدتم صمود الجبال، لم تخفكم تلك الحشود ولم ترعبكم أسلحة الدمار الشامل، فصبرتم وقررتم المضي في العزة يوم أن تخاذل الجميع وتبدلت العقائد وظهرت نواقض الإسلام في كثير ممن ينتسبون إليه، إلا أنكم بقيتم أعلاماً بشموخ الجبال، يعتز كل مسلم بأن في أمته أمثالكم، تكالبت عليكم الدول وجاءتكم الأحلاف من كل حدب وصوب بعدتها وعتادها بشكل لم يشهد التاريخ أبداً حلفاً مثله ضد طائفة مؤمنة صادقة قليلة، فضحيتم بالملك وبالأنفس والأموال فكان بفضل الله تعالى إيمانكم وصدقكم نحسبكم كذلك ولا نزكي على الله أحداً، كان إيمانكم وتوكلكم على الله القوي العزيز أعظم من ذلك الحلف وما جمع.

أمير المؤمنين إن الحرب اليوم لم تضع أوزارها ولكننا نهنئكم بالنصر الحسي مقدماً بإذن الله تعالى فقد ظهرت بوادره، ونهنئكم أيضاً بالنصر الحقيقي الذي حققتموه، فلقد انتصر مبدأكم وقولكم على مبادئ أعدائكم، إن أعداءكم يكذبون في كل محفل بأنهم أهل العدل وحقوق الإنسان وأهل الحرية والمساواة، وفي هذه المعركة سقطت تلك الأقنعة عن وجوههم ليظهر للخاص والعام حقيقة الوجه الصليبي اليهودي الحاقد، فظهر حقاً من الذي يقتل الأبرياء، وعرفنا من الذي لا يراعي لأي كائن حي أي حقوق، وشاهدنا كيف تكون الحرية وسيادة القانون الذي شرعوه لأنفسهم، وعرفنا ما معنى تعايش الحضارات ووحدة الأديان التي يدعون إليها، إنهم يريدون حضارة الغاب الأمريكية، ويريدون وحدة معتقدهم الصليبي فقط، فهنيئاً لكم هذا النصر لقد ميزتم العالم إلى خندقين وجليتم الحقائق لكل مغفل يوم أن أسقطتم بصمودكم وإيمانكم وتوكلكم على الله كل معاني الزيف والخداع الصليبي.

أمير المؤمنين وكما فضح صمودكم كذب الكفار في دعواهم، فقد وضّح للمسلمين أيضاً معاني كانت غائبة أو كادت تندرس.

صمودكم علمنا ما هو ميزان القوة لدى المسلمين، صمودكم جدد الولاء والبراء، صمودكم جدد مفهوم الجهاد ومفهوم النصر والهزيمة، صمودكم علّمنا معنى التضحية والبذل لله تعالى، لقد بلغنا أنكم أُغريتم بمُلك عظيم مقابل التنازل عن حماية المؤمنين، وأجلب عليكم المنافقون بالترغيب تارة والترهيب أخرى لتبدوا شيئاً من التنازل عن مبادئكم، وتأكدنا حقاً لو أنكم أردتم الدنيا من الآخرة لأمكنكم بالتنازل عن بعض مبادئكم وحينها تكونون أغنى أهل الأرض، ولكن القلوب التي خالطها الإيمان تأبى ذلك أشد الإباء، ويوم أن افتخرت العرب بالسموءل ابن عاديا اليهودي الذي حفظ الأمانة وأصابه البلاء وقتل ابنه أمام عينيه على أيدي الحارث بن جبلة الغساني ملك الشام الذي جاء يطلب المال منه فأبى أن يدفع المال إلا لأولياء امرؤ القيس الذي أودع الأمانة عنده فأصبح صموده مثلاً للعرب، فلأن نفتخر نحن بصمودكم الذي فاق صمود السموءل بآلاف المرات من باب أولى، وحق لكل مسلم اليوم إذا أراد أن يضرب المثل بالصمود أن يذكر صمودكم.

أمير المؤمنين إن إعجابنا بأفعالكم ومناصرتنا لها لا ينقطع ولن ينقطع أبداً بإذن الله تعالى ما لم تبدلوا وتهنوا أو تتراجعوا نسأل الله لنا ولكم الثبات حتى الممات، وإننا نطمئنكم بأننا وشريحة عظيمة من العلماء والدعاة وطلبة العلم معكم ونؤيدكم، ونقول لكم لا يسوؤكم ولا يفُتّ من قوتكم وإصراركم قول بعض المتخاذلين والمرجفين الذين ذموا صمودكم ولاموا أفعالكم، وزعموا بأنكم قتلتم أنفسكم وشعبكم ومزقتم دولتكم بفعلكم، إن فعلكم هذا هو عين الصواب وهو ما دلت عليه الأدلة الشرعية وأمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليم وسلم، وكل ما أصابكم أو أصاب شعبكم هو بقدر من الله تعالى، وهو الذي أمركم بالتوكل عليه واتباع أمره وموالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين وجهادهم بكل السبل، ووعدكم بعد ذلك بالنصر والتمكين، وإن حصلت لكم الأخرى فهو الفوز الكبير الذي وصف الله به أصحاب الأخدود بقوله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير) وبأي شيء نال أصحاب الأخدود وسام الفوز الكبير؟ لقد نالوه بتوكلهم على الله وصمودهم على دينهم وعدم تراجعهم عن مبدئهم فنالوا هذا الوسام الذي لم يعط في القرآن لأحد غيرهم، رغم أنهم قتلوا عن آخرهم.

أمير المؤمنين إننا نناشدكم ونناشد قادة الإمارة الإسلامية من أمثال المولوي جلال الدين حقاني، والمولوي عبد الحنان، والملا برادر، والملا داد الله وغيرهم كثير من قيادات الإمارة الإسلامية، كما نناشد المجاهدين الأنصار وقادتهم، أن تواصلوا جهادكم وصمودكم، فقد قرّت بكم عيون الموحدين ورضيت بكم عساكر الرحمن، فنحن من ورائكم نناصركم بكل ما نستطيع ونحرض المؤمنين على القتال في صفوفكم، فلا تبدلوا ولا تخافوا ولا تلينوا (وأنتم الأعلون) واثبتوا على مبادئكم وأفعالكم المشرفة، ارفعوا رأس الأمة بجهادكم، وبإذن الله تعالى فإن فرحتنا ستكون قريبة بعودة الإمارة الإسلامية غالبة ممكّنة منتصرة بأمر من الله الذي أمركم بالعمل وتكفل بالنصر.

وختاماً فإننا نوصي جميع المسلمين في كل مكان بمناصرة الإمارة الإسلامية في جهادها هذا ضد ملل الكفر جميعاً، كما نوصي الأفغان خاصة بأن يبذلوا أنفسهم لله تعالى ويناصروا الإمارة الإسلامية ويقفوا تحت لواء أمير المؤمنين، ونوصي المجاهدين وعلى رأسهم أمير المؤمنين بأن يحققوا شروط النصر والتمكين التي ذكرها الله تعالى في كتابه وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.

وإليكم بعضاً مما ورد في كتاب الله من شروط التمكين كقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) فالإيمان والعمل الصالح والبراءة من الشرك من شروط النصر والتمكين، وقوله: (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) فالاستعانة بالله والصبر على أقداره وأحكامه وتقواه في السر والعلن من شروط النصر والتمكين، وقوله: (وقال موسى ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) فالتوكل على الله حق التوكل من شروط النصر والتمكين، وقوله: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) فالصلاح في الظاهر والباطن وتحقيق معنى العبودية من شروط النصر والتمكين، وقوله: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون) فالإقرار بربوبية الله وإلهيته مع الاستقامة على شريعته من شروط النصر والتمكين، والآيات التي ذكر الله فيها شروط النصر والتمكين أكثر من ذلك بكثير.

ومن الوصايا الجامعة للنبي وقد جاء فيها شروط النصر والتمكين ما رواه الترمذي وأحمد وللفظ له عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال (يا غلام أو يا غليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ فقلت بلى، فقال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً) وفي لفظ الترمذي: (احفظ الله تجده تجاهك).

واعلموا أنكم إذا بذلتم وسعكم بتحقيق شروط النصر والتمكين فإن الله ناصركم ومخزٍ عدوكم، وعد منه لا يتخلف أبداً قال تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) وقال: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) وقال واصفاً حال المسلمين يوم بدر: (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار).

وقد بشر النبي بالنصر وانتصار الدين وغلبته فقال: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر) رواه أحمد من حديث تميم الداري بسند صحيح.

وقد أحسن الشاعر حيث قال:

كن كالسموءل إذ سار الهمام له

بجحفل كسواد الليل جرار

جار ابن حيا لمن نالته ذمته

أوفى وأمنع من جار ابن عمار

بالأبلق الفرد من تيماء منـزله

حصن حصين وجار غير غدار

إذ سامه خطتي خسف فقال له

مهما تقله فإني سامع جار

فقال غدر وثكل أنت بينهما

فاختر فما منهما حظ بمختار

فشك غير قليل ثم قال له

اذبح هديك إني مانع جاري

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين

إخوانكم

حمود بن عقلاء الشعيبي

علي بن خضير الخضير

سليمان بن ناصر العلوان

16/10 / 1422هـ