رحيل لابد منه

rane 09

rane 09

الحمد لله أن كتب لنا في هذا العصر توثيق سير عظماء بذلوا ساعات حياتهم في خدمة الإسلام والتضحية للمسلمين، كما شهدت الأمة في عصر سبق رحيل رجالات خدموها وتفانوا في الذبّ عن دينها وحريتها، نشهد اليوم رحيل رجال بنفس المعدن كانوا قد خلفوهم.
 هي سنة قد مضت، صفحات لابد أن تطوى وصفحات جديدة لابد أن تفتح وطوبى لمن كانت صفحته حجة له لا عليه يوم يلقى مولاه. وإذا تأملنا الحكمة من رحيل هؤلاء النجوم في فترة زمنية متقاربة، لابد أن يرتسم أمام أعيننا تلك البداية التي كانت تقريبا واحدة. فهذه الثلة الرائعة قد بدأت كفاحها ضد الصهيوصليبية في عصر واحد وثبتت وتآزرت وتكاتفت حتى تجني الأمة اليوم ثمار وحدة صفهم وأخوتهم.
أخوة من نوع عجيب جعلت الأفغاني يضحي بحياته لأجل العربي والعكس كذلك! محبة جعلت المسلمين قلباً واحداً في سفينة الجهاد العظيمة. لو رجعنا لتاريخ بداياتهم لأدركنا قيمة إنجازاتهم، كان العالم يعرف تغطرساً أمريكياً كبيراً واستعباداً للمسلمين مهين واستضعاف قاهر. اليوم بفضل الله ثم جهاد مستمر لم يتوقف ولم يركع لظالم، نرى حصوناً شيدت وأمة استيقظت وشجاعة تشرّت وهمماً أوقدت وسيرا يُتفاخر بها. وأصبح الغرب الكافر يحسب للمسلمين ألف حساب ويعلم أن الجيل الحالي ليس جيل خنوع أو استسلام، وأنه قد تعلم الإعداد والتضحية لحريته.
إذن هي مرحلة كانت بحاجة لهؤلاء الرجال، الذين اختارهم الله من بين عباده ليستعملهم في تمهيد مرحلة قادمة تتبعها لا محالة. فنعم نحزن لفراقهم ولكننا نستبشر أيضا أن رحيلهم يطوي صفحة التمهيد ويقدم صفحة الإنجاز والتغيير الحقيقي، ويجعلنا أكثر مسؤولية. فاليوم رحل الرجال الذين بنوا أسس الحصون الجهادية ولكن خلفوا إمارة إسلامية وثغوراً متوقدة لحفظ هذه الأمة من الخطر الصهيوصليبي. فجزاهم الله عن أمة الإسلام كل خير، نشهد أمام الله أنهم أبلوا البلاء الحسن ولم يقصروا في ثغورهم، ويسعدنا أن رحلوا أبطالاً ثابتين. لم يتمكن العدو الذي كاد يعبده بعض ضعفاء النفوس وركنوا لجبروته، من أن يصل إليهم أو يتمكن منهم، وأما قتلهم فكان بطريقة جبانة. ارتقوا فيها بعزة وحققوا حلمهم الذي طالما انتظروه، القتل في سبيل الله بينما خسر العدو المغرور حين جعل من قتلهم نوراً وناراً تتوقد.
أما الملا عمر فقصته حُقّ لنا أن نكتبها بماء من ذهب، ليتعلم الناس كيف يحفظ الله المسلم العزيز بيقينه وإيمانه وحسن ظنه بمولاه. كيف يحفظه الله وينصره ويجعل أكبر قوة متغطرسة تلاحقه في العالم بأحدث التكنولوجيا والجيوش عاجزة حتى على الحصول على أي خبر يخصه. رحيل الملا عمر في الواقع كتاب من المواعظ والدروس لأجيال قادمة فالحمد لله أن سخر لنا معرفة سيرته لنقُصّها لجيل قادم فيجد القدوة. الحمد لله وجدنا ما نقصه لأجيال قادمة! وجدنا ما نمحو به عار صفحات تاريخنا التي تشبعت بالخيانات والطعنات والمتاجرة بثوابتنا. الحمد لله أن جعل من سيرة الملا عمر، أسطورة معجزة حيّرت الغرب الكافر وجعلته يقف عاجزاً عن تقديم تفسير لهذه الشخصية المسلمة العزيزة. سنفرح اليوم بطوي صفحة بطولات ومجد، فهو شرف لا يعرفه إلا من سئم من صفحات الخنوع والذلة التي ملأت كتاب تاريخنا المعاصر. وسنكون اليوم أكثر حرصاً على حفظ هذا البريق الذي خرج من ثغور التضحيات والعطاء، سنحفظه بأرواحنا وسنلقن أولادنا هذا الميراث بقوة.
اليوم جاء دور الإستعمال، لا تنتظروا أن يخرج علينا رجال منّ الله عليهم بهذا الفضل العظيم بل سارعوا وسابقوا فإنما هو مضمار سباق. لنحفظ هذه الإنجازات لنوحد الصفوف ونتصدى لكل هدّام، لنوثّق هذا التاريخ بمداد من دم لا ينمحي مع الأيام لأن التاريخ يحفظ الأحمر.
إنا على العهد ماضون وعلى طريق هؤلاء الرجال سائرون لن نفرط في الأمانة ولن نكون إلا خير خلف بإذن الله، فاستبشروا وبشروا. وحافظوا على صورة رسموها بدمائهم لم يبدلوا تبديلا، فاللهم احفظ إمارة أفغانستان واجلعها مأوى المستضعفين وناصرة المسلمين. اللهم رد كيد الظالمين والمتسلقين والضالين والمنحرفين، وأقر عيوننا بوحدة صفوف الأمة واجتماعهم وتآلف قلوبهم.