الافتتاحية: يوسف أحلام هذه الأمة

alemaraah

alemaraah

ترجّل فارس هذا الزمان (الملا محمد عمر المجاهد رحمه الله) عن جواده بعد عمر أفناه في جهاد أعداء الله المعتدين، وشباب أبلاه في مقارعة الشيوعيين الملحدين، ومُلك ضحى به في سبيل الله، وعلمٍ قرنه بالعمل الصادق، نحسبه والله حسيبه. رحل –تقبله الله- ثابت المبدأ، منتصب القامة، مرتفع الهامة، كشجرة فارعة الطول، ضاربة الجذور في الأرض، لم تهزّها الرياح الهوجاء، ولم تقوّضها أعاصير المجرمين.

قبل ميلاد إمارة أفغانستان الإسلامية على يد أمير المؤمنين الملا محمد عمر تقبله الله، كان المسلمون في المشارق والمغارب يحلمون بأرض تحكمها شريعة الله تعالى يعيشون تحت ظلالها، ويحلمون بحاكم مسلم يخشى الله في رعيته، ويحلمون بحكومة إسلامية تحمي كيانهم وتحفظ حقوقهم. كل ذلك كان مجرد أحلام يتيمة لم تجد يوسفاً يؤولها إلى حقيقة واقعة في دنيا البشر، حتى شاء الله أن يكون الملا محمد عمر رحمه الله يوسف تلك الأحلام، الذي ملك تأويلها ففسّرها واقعاً مشهوداً في حاضر المسلمين، فكان الأمير المسلم الحاكم بأمر الله، وكانت الإمارة الإسلامية القائمة بشريعة الرحمن، وقرّت أعين المسلمين بقطعة من جنة التاريخ الإسلامي الحديث امتدّت لخمس سنين ربيعية خضِرة.

لقد جعل الله -سبحانه وتعالى- أمير المؤمنين الملا محمد عمر رحمه الله حجّة بيّنة لا مراء فيها على الأمة الإسلامية، الأمة بكل عناصرها ومكوّناتها:

– حجة على العلماء الكسالى الساكنين الذين لم يؤدوا زكاة علمهم، ولم يعملوا بما علِموا، ولم يقولوا ولو لمرة في حياتهم (لا) للظلمة والطغاة والجبابرة المستكبرين، فضلاً عن أن يعلموا بمقتضاها!.

– حجة على المستضعفين الذين تثاقلوا عن القيام بأعباء الحق، وسئموا طول الطريق ووعورتها، فباتوا يلتفتون إلى الوراء وتتردد أقدامهم عن متابعة المسير.

– حجة على المجاهدين الذين يجمعهم هدف إعلاء كلمة الله ونصرة المسلمين المظلومين وتفرّقهم عصبياتهم الحزبية ورؤاهم الاجتهادية البشرية.

– حجة على القادة والزعماء الذين انصهروا في كيان أعداء الأمة فكانوا سِهاماً في كنانة الكافرين على جسد الأمة المثخن الدامي، بدلاً أن يكونوا سيوفاً مسلولة في كف الأمة الإسلامية.

– حجة على المسلم الهازل الذي يفني عمره في طلب الدنيا وزخارفها، والذي لم يكلّف نفسه بالعمل لدينه ونصرته ولو بالبيان على الأقل!

ارتقى الأمير النبيل -بعد رحلة كفاح بطولية طويلة- إلى العالم الخالد، مودّعاً حضيض هذه الأرض، بمتاعبها وأتراحها وأحزانها، لينال ما وعده الله عباده المتقين: (وبشّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون). وإنّا –إن شاء الله- سنشهد له أمام الله تعالى بأنه قد أدى الأمانة، وبذل روحه ومُلكه ثمناً لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وأنه نصر أمة محمد صلى الله عليه وسلم بما في وسعه.

إن إمارة أفغانستان الإسلامية هي الأمانة الكبرى التي أورثها أمير المؤمنين رحمه الله تعالى لكل مسلم في أفغانستان، وهي القلعة الحصينة التي حرص على إحكام بنائها وتسديد لَبِناتها، فالله الله أيها المسلمون بحفظ الأمانة، قلعة الإسلام الأخيرة في هذا الزمان، أكملوا بناءها وابذلوا وسعكم في إحكامها، عيشوا لها أو فلتموتوا دونها! وكونوا كما كان يوسف أحلام هذه الأمة الملا محمد عمر المجاهد رحمه الله.

ويأيها المسلمون في أفغانستان، إن رحيل الملا محمد عمر رحمه الله ليست مصيبتكم وحدكم، بل مصيبة كل مسلم يحيى على كوكب هذه الأرض، فلا تهنوا، ولا تحزنوا، وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، سووا صفوفكم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، تراصوا، سدوا الخلل، وحيّ الجهاد، حيّ على الكفاح.