كلمات من سویداء قلبي إلی أمیر المؤمنین رحمه الله

sad sunflower

sad sunflower

الحمد لله رب العالمین ولا عدوان إلا علی الظالمین والصلاة والسلام علی إمام المجاهدین محمد وعلی آله وصحبه أجمعین.

إن الكتابة عن الأبطال لهي من أصعب الأمور وأعقدها؛ إذ أنها تتطلّب قلماً سیالاً رشیقاً، وذكاءً حاداً متألقاً، وذهناً وقّاداً نیراً، والراقم بعید كل البعد عن مثل هذه الصفات ـ سائلاً المولی عزوجل أن یرزقنیهاـ فالأدب یأمر اللسان في مثل هذه الظروف بالسكوت والقلم بالوقوف، لكن العشق یأمر صاحبه باقتحام المهالك وإن كان أعزَلاً؛ وهذا الذي دفعني إلی هذا الأمر العظیم، ألا وهو الكتابة عن أسد الإسلام أمیر المؤمنین الملا محمد عمر المجاهد رحمه الله.

لكني أرید بهذه الكلمات المبعثرة التهنئة حصراً؛ نعم! أهنئك أسد الإسلام! لا على حطام دنیا دنیة ركلتها بقدمك؛ ولكن على صمودك وتضحیاتك ووقوفك أمام الأعداء وقوفَ الصحابة أمام اليهود والمجوس، وعلى مواقفك المشرفة الصامدة التي محت العار عن جبین أمة الملیار ونصف الملیار. أتذكر موقفك الصامد یوم أن كسرت الأوثان الحجریة بعد أن كسرت الأوثان البشریة من الطواغیت وأذنابهم. حينما عزمت علی كسر تلك الأوثان، واجهت هجمة إعلامیة شرسة من قبل الأعداء، وعند فشلهم في ثنيك عن مشروعك المبارك، أخرجوا من جعبتهم سهماً آخر، فتوعدوك بالمقاطعة الاقتصادیة وبالفقر وبالعوز؛ مع أن وجود هذه الأصنام في أرضك كان سیدرّ لك مورداً مالیاً ضخماً بواسطة حجاج الأصنام وعشاق الآثار الكفریة؛ بید أنك تركت ما حرّمه الله ابتغاءً فيما عند الله وجعلت هذه الآیة الكریمة نصب عینیك: {وإن خفتم عیلة فسوف یغنیكم الله من فضله إن شاء إن الله علیم حكیم} [توبه 28]. وتذكرت قوله تعالی:{یاأیها الذین آمنوا إن تنصروا الله ینصركم ویثبت أقدامكم} [محمد 7]. فكلما ازدادوا تهديداً ووعيداً، ازددت صموداً وثباتاً، وكلما ازداد نعيقهم الأجوف، ازددت وقوفاً وصلابة فما التفتّ إلی هذا وذاك؛ بل كنت بحق علی ملة أبیك إبراهیم ـ علیه السلام ـ حینما قال: {وتالله لأكیدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرین} [انبیاء 57]. فسلكت سبیله حذو القذة بالقذة وفعلت فعلةً فعلها النبي ـ صلی الله علیه وسلم ـ بیده الكریمة حینما دخل مكة جعل یطعن الأصنام بالقوس ویقول: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً} [اسراء 81]، فكانت الأصنام تتساقط علی وجهها. فلله درّك وعلی الله أجرك. ولا غرو؛ فإن أرضاً ترعرعت علی ربوعها وبلغت أشدك في كهوفها وفلواتها أرض عزٍ وجهاد، بطولة واستشهاد؛ كما یقول شهید الأمة عبدالله یوسف عزام: إن شعبها فرید في صلابته وعزته، وكأن الله ـ عزوجل ـ أعدّ جبالها وأرضها للجهاد.

أبي وقائدي! أتذكر في هذا المقام موقفاً عظیماً سجّله التاریخ لأحد أجدادك وهو القائد المظفر محمود سبكتكین (421هـ) صاحب بلاد غزنة، الرجل الذي شمّر عن ساعد الجد لنصرة الإسلام ففتح فتوحات عظیمة واتسعت مملكته، اقتحم المهالك وفتح من بلاد الهند فتوحات هائلة لم تتفق لغیره من الملوك، وكسر كثیراً من الأوثان و الأصنام، ومن جملة ما كسر صنم یقال له «سومنات»، صنم الهند الأعظم الذی كانوا یفدون إلیه من كل فجّ عمیق، كما یفد المسلمون إلی البیت العتیق، وكانوا ینفقون عنده أموالاً باهظة، وكان علیه من الأوقاف عشرة آلاف قریة ومدینة مشهورة. وقد كان الهنود كلما فتح السلطان محمود في الهند فتحاً وكسر صنماً من أصنامهم قالوا: إن هذه الأصنام قد سخط علیها «سومنات» ولو أنه راضٍ عنها لأهلك من قصدها بسوءٍ. ولما بلغ السلطان هذه الترّهات والخزعبلات، زاد عزمه جزماً ولم یلتفت إلی كثرة الهنود والمفاوز المهلكة والفلوات القاحلة التی قد تعوق دون الوصول إلی هذا الصنم، بل سار من غزنة عاشر شعبان سنة (418 هـ ) ومعه ثلاثون ألفاً من المقاتلة، فلما انتهی هو وجیشه إلی بلد ذلك الوثن ونزلوا بساحته فإذا هو بمكانٍ قدر مدینة عظیمة، فحینما حمي الوطیس رأی الهنود من المسلمین قتالاً لم یعهدوا مثله، فقتل منهم المسلمون خمسین ألفاً وحینما وصلوا إلی الصنم قلعوه وأوقدوا تحته النار. وقد كان الهنود بذلوا للسلطان محمود أن یأخذ أموالاً ویبقی الصنم لهم، فقال: حتی أستخیر الله ـ عزوجل ـ فلما أصبح قال: إني فكرت في الأمر الذي ذكر، فرأیت أنه إذا نودیت یوم القیامة: أین محمود الذي كسر الصنم؟ أحب إليّ من أن یقال: الذي ترك الصنم لأجل ما یناله من الدنیا. ثم عزم فكسره ـ رحمه الله ـ فوجد علیه وفیه من الجواهر واللآلیء والذهب والجواهر النفیسة ما ینیف علی ما بذلوه له بأضعاف مضاعفة. [البدایة والنهایة 12/22 بتلخیص وتصرف].

یا أمیر المؤمنین! والله إني لأحب حینما ینادي المنادي في یوم تشیب من هوله الرؤوس وتطیر الأفئدة: أین كاسروا الأصنام من أمة محمد ـ صلی الله علیه وسلم ـ ؟ أحب أن یقوم السلطان محمود رحمه الله وأنت بجانبه، یدك في یده، ویفتخر ویعتز بكما النبي الكریم صلی الله علیه وسلم أمام سائر الأنبیاء والأولیاء والصالحین. هذاً أولاً. وأما ثانیاً: فأهنئك قائدي الحنون بهذه الكوكبة المباركة والثلة الربانیة من الشهداء الأبطال عامة والقادة منهم خاصة؛ أهنئك بنيل كثير من القادة البواسل وسام الشهادة وأذكر منهم علی سبیل المثال لا الحصر: القائد المقدام الملا داد الله ـ رحمه الله ـ والقائد المغوار الشیخ محمود سیف الله ـ رحمه الله ـ و غیرهم كثیرین. وهذا إن دل علی شيء فإنما یدل علی صدق هذه الحركة الربانیة والانتفاضة الجهادیة؛ كما قیل: صدق دعوتنا باستشهاد قادتنا.

وفي ذلك یقول عز من قائل: {وكأین من نبي قاتل معه ربیون كثیر فما وهنوا لما أصابهم في سبیل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله یحب الصابرین} [آل عمران 146]. وأهنئك قائد الأمة بتأیید العلماء لك ولحركتك المباركة المخلصة؛ فالعلماء الربانیون ـ لا علماء السوء ومفتو الطواغیت‌ـ موقّعون عن رب العالمین ـ كما عبر عنهم بذلك الإمام إبن القیم ـ، وهم لا یوقّعون إلا إذا كان هناك مبرراً شرعیاً.

فكل هذا الفضل یرجع بعد فضل الله سبحانه وتعالی إلی إخلاصكم وجهودكم المتواصلة لإقامة خلافة إسلامیة، وأود أن أنقل هنا قول الشیخ سلیم الله خان حفظه الله ـ أمین وفاق المدارس العربیة بباكستان و كبیر علمائهاـ ؛ فإنه قال بعدما التقی بسماحتمكم في وفد من كبار علماء تلك الدیار: (والله حینما كان یتكلم، كنا نتخیل أن أحداً من أصحاب النبي ـ صلی الله علیه وسلم ـ یتكلم أمامنا). ویحلو لي أن أنقل هنا ما قاله فضیلة الشیخ أبو محمد المقدسي حفظه الله: «أتمنی أن أكون حذاءً في قدمه حین یجاهد علی هدی المصطفی لأجل رایة التوحید، یدوس به رؤوس أعداء الله» یا لها من شهادة ویالها من تزكیة! لن أنسی یا أمیر المؤمنین ولن ینسی التاریخ موقفك الصامد ضدّ أمریكا وحلفائها بعدم تسلیم شهید الأمة اسامة بن لادن ـ رحمه الله وأسكنه فیسح جنانه‌ـ إلى الكفرة الفجرة، مع أن تسلیمه كان سیجني لك ولإمارتك أموالاً الطائلة، وكان سیؤدي إلى إعتراف وتأیید تلك الدول المارقة بإمارتك؛ لكنك رفضت كل ذلك وكفرت بكل معاني الخیانة والتخاذل وعملت بالحدیث المتفق علیه عن رسول الله ـ صلی الله علیه وسلم: «المسلم أخو المسلم لایخونه ولا یسلمه ولا یخذله ولا یظلمه…» وحینها قلت كلمة ینبغي أن تكتب بماء الذهب في تاریخ الإسلام: «إن قضیة أسامة لم تعد قضية شخص، إنما هی قضیة عز الإسلام» فجزاك الله خیر الجزاء على هذه المواقف الصامدة.

وختاماً أسأل الله العظیم رب العرش العظیم أن یهیئ لهذه الأمة من أمرها رشداً بعد استشهاد أمیرالمؤمنین كي یعزّ به أهل طاعته ویذل به أهل معصیته، إنه تعالی ولي ذلك والقادر علیه. وصلی الله تعالی علی خیر خلقه محمد وعلی آله وأصحابه أجمعین.