نظرة إلی حیاة الشهید القارئ ضیاء الدین رحمه الله تعالی وإلی أعماله البطولیة

بقلم: عبدالرؤف حكمت

إنّ عام 2010 م كان هو العام الذي بلغت فیه المقاومة الجهادیة ضدّ الاحتلال ذروتها، وقد اُعتُبرَ ذلك العام أكثر الأعوام دمویة لقوات الاحتلال.

وفي أثناء عملي الصحفي أردت أن أجري لقاءً صحفیاً بالمسؤول الجهادي لولایة (فاریاب) الأخ القارئ ضیاء الدین فاروق فذهبت إلی بیته المتواضع المتهدم في دیار الهجرة. وحین دققت الباب خرج صاحب البیت واستقبلني بترحاب ثم أرشدني إلی غرفة قد تهدّم نصفها. كان في الغرفة شاب وسیم مضمّد الید إلی جانب شباب آخرین. سألت صاحب البيت عن القارئ ضیاء الدین فاروق فأشار إلی ذلك الشاب الجریح وقال لي هذا هو القارئ ضیاء الدین فاروق مسؤول المجاهدین العام لولایة (فاریاب). أجریت مع القارئ ضیاء الدین لقاءً صحفياً حول الأوضاع الجهادیة في ولایة فاریاب، وفي أثناء إجراء المقابلة وجدته ممن يدخل قلب محدثه في اللقاء الأوّل بحسن خلقه وجمیل سلوكه. كان شاباً متواضعاً متأدباً، ومجاهداً خالصاً من مجاهدي خنادق القتال، وكان قد وقف نفسه وماله في سبیل الدفاع عن دین الله تعالی.

إنّ القارئ ضیاء الدین دخل إلی شغاف قلبي في لقائي الأول به، وحین تعمّقت معرفتي بهذا الشاب ذي الثلاثین سنة وجدته كأن الله تعالی قد خلقه لأعمال أكبر بكثير مما يتناسب مع عمره. لقد كان من مؤسسّي الجهاد ضدّ القوات الصلیبیة في الولایات الشمالیة مثل (فاریاب) و(سرپل) و(جوزجان). وكان قد أشعل شعلة الجهاد بجهاده المخلص وبهمّته العالیة وتضحیاته الفریدة. وقد نفخ في نفوس أبناء الشعب في الشمال روح الجهاد والفداء، وربّی جیلاً من الشباب المجاهدین في الولایات الشمالیة، وواصل جهاده إلی أن استشهد في سبیل الله تعالی.

وفي السطور التالیة نذكر نبذه من السیرة الذاتية لذلك البطل، وجانباً من أعماله البطولیة:

من هو القارئ ضیاء الدین فاروق؟

القارئ ضیاء الدین فاروق هو ابن الحاج عبد الباقي أحد أثریا منطقته. ولد القارئ ضیاء الدین عام 1358 هـ.ش في قریة (توپ خانه) بمدیریة (دولت آباد) في ولایة ( فاریاب) في بیت أحد الأثریاء.

درس دراسته الدینیة الابتدائیة في قریته في مدرسة المولوي شمس الدین، أحد علماء قریته. ثم ذهب لحفظ القرآن الكریم إلی إحدی المدارس في مدیریة (شیرین تگاب) في ولایته وأكمل حفظه في فترة زمنیة قصیرة. وبعد ذلك سافر إلی باكستان لدارسة العلوم الشرعیة. بدأ دراسته في مخيّم (بابي) أحد مخیمات المهاجرین بالقرب من مدینة (پشاور)، ثم انتقل منها إلی منطقة (رحیم یارخان) في إقلیم البنجاب وواصل دراسته في أشهر مدارس تلك المدینة وهي مدرسة عبدالله بن مسعود رضي الله تعالی عنه.

كان زمن دراسة القارئ ضیاء الدین في منطقة (رحیم یارخان) یتصادف مع زمن حكم إمارة أفغانستان الإسلامیة في البلد وكانت المعارك علی أشدّها في شمال كابل العاصمة فكان یتشوق للجهاد، وعلی الرغم من أن عمره كان صغیراً كان یطلب من المسؤولین بإلحاح أن يسمحوا له بالذهاب إلی الجبهة إلا أنّ المسؤولين لم یسمحوا له بسبب صغر سنه.

وفیما بعد ذهب القارئ ضیاء الدین إلی ولایة هرات وتوسل للمولوي عبدالرحمن عضو الشوری القیادي للإمارة الإسلامیة لیُسمح له بالالتحاق بالمجاهدین.

یقول الشیخ المولوي عبدالرحمن بأنه نصح القارئ ضیاء الدین كثیراً، ومنعه من الذهاب إلی جبهة القتال لصغر سنه، لأنّ لائحة الإمارة الإسلامیة كانت لا تسمع للصغار بالذهاب إلی الجبهة، إلا أنّ القارئ كان یقول إنّ الجهاد یحتاج من المجاهد الشجاعة وحب الاستشهاد، وأنا بفضل الله تعالی أتمتّع بكلیهما، ولكن مع ذلك كله لم یسمح له بالذهاب إلی الجبهة، وظلّ یواصل دراسته في إحدی مدارس ولایة (هرات) إلی أن دخلت القوات الأمریكیة إلی افغانستان وخرجت مدن البلد عن سیطره الإمارة الإسلامیة واحتُل البلد.

دوره التأسیسي في الجهاد ضدّ أمریكا:

بعد الهجوم الأمریكي علی أفغانستان كان القارئ ضیاء الدین فاروق یعیش في منطقته لمدّة سنة، وبعد ذلك توجه مع كوكبة من الشباب للتدرّب والإعداد الجهادي إلی منطقة القبائل بین أفغانستان وباكستان، وهناك حصل علی التدریب الجهادي.

تعرّف القارئ ضیاء الدین في منطقة القبائل على مجاهدین كثر، وكان من بینهم القارئ محمد طاهر الفاروق. وبعد العودة من التدریب بدأ یدعو الناس إلی الجهاد في منطقته ویحرّض الشباب علی القتال. وكان یطوف علی القری والمدارس ویشرح للناس فرضیة الجهاد.

یقول أحد أصحاب القارئ ضیاء الدین بأننا كنّا في ذلك الوقت ندرس في إحدی المدارس، وكان یأتي القارئ ضیاء الدین إلی مدرستنا وكان یعرض علی الطلاب الأفلام الجهادیة ویحرضهم من خلالها على الجهاد في سبیل الله تعالی. وبهذه الطریقة نشر الفكر الجهادي في أوساط الشباب في منطقته وأعدّ كثیرین من الشباب للخروج إلی الجهاد.

وفي عام 2010م قال لي القارئ ضياء الدين فاروق رحمه الله تعالی أثناء إحدی المقابلات الصحفية أنه بدأ الجهاد المسلح من الدعوة إليه حيث كان يذهب إلی المساجد والبيوت ويشرح للناس فرضية الجهاد والضرورة إليه ضدّ المعتدّين وأعوانهم، حتی أنه كان یعرض دعوته علی المارة في الطرقات العامة. وبتلك الجهود الدعوية استنارت أذهان الناس وعلموا أن المجاهدين هم أبناء منطقتهم وليسو أجانب كما يشيع عنهم العدوّ في دعاياته.

عملياته الجهادية:

بدأ القارئ ضياء الدين رحمه الله تعالی عملياته الجهادية ضدّ العدوّ بشكل معارك كرّ وفرّ ، وكان المجاهدون في ولايات (فارياب) و(جوزجان) و(سرپل) يقومون بالعمليات بشكل مشترك، وكانوا في حالة تنقّل دائم من مكان إلی مكان. وبما أنهم كانوا يعانون من قلّة الأسلحة والذخيرة والمعدات القتالية الأخری؛ كانوا يستهدفون نقاط العدوّ الضعيفة ثمّ ينتقلون منها إلی منطقة أخری. وهكذا كانوا يواصلون عملياتهم الجهادية ضدّ العدوّ في الولايات الثلاثة المذكورة.

وحين اشتدّ ساعد المجاهدين في ولاية فارياب أيضاً مثل بقية الولايات كان للقارئ ضياءالدين دور بارز في العمليات الجهادية في تلك الولاية، وأصبح مسؤولاً عسكرياً للمجاهدين في مديرية (دولت اباد)، وبعد ذلك في عام 2009م عيّن مسؤولاً عاماً عن المجاهدين في ولاية فارياب كلها.

وفي فترة مسؤولية القارئ ضياء الدين قام المجاهدون بعمليات جهادية هامة، قُتِل في أحدها مدير مديرية (أندخوی) وقائد الأمن العام لمديرية (شيرين تگاب) كما قتل فيها مسؤولون عسكريون من صف العدوّ.

وفي عام 2010م اتّسعت رقعة عملِيات المجاهين إلی مديريات أخری في هذه الولاية، وسيطروا علی مناطق كثيرة في مديريات (دولت آباد) و(شيرين تگاب) و(خواجه ناموسی) و( ألمار) و(قيصار) و( وچلگزي) و(گورزوان) و(بلچراغ) و(لولاش)، وتشكلت في كثير من مديريات هذه الولاية اللجان المدنية والمحاكم الشرعية للإمارة الإسلامية. وهكذا صارت ولاية (فارياب) أحد المعاقل القوية للمجاهدين في شمال أفغانستان استعصی علی العدوّ تطويعها.

شخصيته:

نشأ القارئ ضياء الدين في عائلة ثرية، وكان والده يملك أراضٍ زراعية واسعة وبساتين كثيرة، إلا أنّ القارئ رحمه الله تعالی لم يجعل لتلك الأشياء مكانة في قلبه. لقد ترك ملذات الدنيا والعيش الرغيد وعاش حياته طالباً للعلم الشرعي ومهاجراً ومجاهداً في سبيل الله تعالی.

يقول عنه إخوانه المجاهدون: إنه كان إنسانا طيّبا تقيّا، وكان يتعامل باحتياط شديد مع أموال بيت مال المسملمين. ومع أنّه كان مسؤولاً عاماً عن المجاهدين وكانت لديه الصلاحيات الكاملة في صرف المال إلا أنّه كان يبتعد عن الأمور المالية، وكان قد فوّض أمرها إلی أحد إخوانه المجاهدين.

استشهاده:

استشهد القارئ ضياء الدين رحمه الله تعالی بتاريخ 7/اكتوبر/2010م بعد جهاد مخلص وطويل، في عملية خاصة قامت بها القوات المحتلة بالاشتراك مع القوات العميلة بقصد القبض عليه أو قتله في منطقة (قرغن قدق) بمديرية (دولت آباد). كانت تلك القرية تقع بالقرب من مركز المديرية، ومنها كان القارئ ضياءالدين ينطلق لنصب الكمائن علی الطريق العام لأرتال العدوّ وجنوده. وحين علم العدوّ بوجوده في تلك القرية هاجمت قواته القرية أرضاً وجوّاً؛ فخرج القارئ ضياء الدين وإخوانه من القرية نحو منطقة صحراوية للحفاظ علی سلامة أهل القرية إلا أنّ العدوّ كان قد اكتشف مكانهم واستهدفهم عن طريق الأرض والجوّ. فاستشهد أحد إخوانه في الغارة الجوية، واستشهد هو مع ثلاثة آخرين من إخوانه في المواجهة التي دارت بينه وبين جنود العدو. إنّا لله وإنّا إليه راجعون. وبعد استشهاده حُمِل جثمانه إلی قرية (ميمنة قشلاق) ودُفن فيها، رحمه الله تعالی.