لمحة قصيرة عن حياة القائد المثالي، الشهيد الباسل أمير الله السلطاني رحمه الله

بقلم : ابو مها

 

إنّ القواميس وحروف اللغة العربية ومفرداتها قاصرة وعاجزة عن وصفه والتعبير عنه، فالأقلام التي كتبت أمجاده نفذت وما نفذت أمجاده، والأوراق التي كتبت عليها سيرته ستبقى قزمة أمام كبريائه وشموخه وأنفته، إنه الشهيد الذي طلّق الدنيا بحذافيرها ورحل إلى دار الخلود، يبغي رضوان ربه، ونصر أمّته، ويستردّ سالف مجد المسلمين الذي فقدوه منذ فترة غير قصيرة.

 

عاد بعد الموت حياً ذكره كان عليا               في جنان الخلد يمشي هانئ النفس رضيا

كان في الدنيا شجاعاً ثابت الخطو أبيا            لم يكن يخشى كفوراً أو ظلوماً أو شقيا

 لم يكن يرضى بذل منذ أن كان تقيا              إنما يرضى بذل كل من كان عصيا

عاهد الرحمن يوماً منذ أن كان صبيا              أن يعيش العمر دوماً طاهراً حراً نقيا

 

والآن سنعيش مع بطلٍ من أبطال الأمة الإسلامية وهو القائد الشهيد المجاهد أمير الله بن الملا يارجل بن حبيب الله، ولد عام ۱۳۴۱ هـ.ق في قرية حسن تابين مدينة شبرغات بولاية جوزجان.

 

نشأة القائد:

درس رحمه الله المرحلة الإبتدائية لدى والده الكريم، شأن كثيرِ من أبناء الوطن الذين ينهلون العلوم الابتدائية من أسرتهم، وموردهم الصافي الأول حتى يترسّخ في أذهانهم حبّ العلم والدين والإسلام أولاً والجهاد وطرد الاحتلال ومقاومة الظلم والقسوة ثانياً. ثم انتقل إلى المدرسة الثانوية وأكملها برتبة عالية.

 

في  طليعة النّاهضين:

كان بطلنا شغوفاً بالعلم والدراسة وكان منتهى أمله أن يكمل دراسته، ولكن لم يتسنَ له ذلك بسبب انقلاب الشيوعيين في البلاد، فحفّزه هذا الأمر ليكون في طليعة المجاهدين والنّاهضين وله من العمر 19 عاماً؛ لأنّ الجهاد تسرّب في سويداء قلبه، فترك دروسه وأغلق كتبه وبدأ بالجهاد البطولي ضدّ الحكومة الشيوعية.

 

جهاده:

انضمّ الشهيد رحمه الله إلى مجموعة ابن عمّه الذي يُدعى بـ(علم جل) كان قائداً لعمليات العصابات ضدّ القوّات الشيوعية، وهكذا بدأت حكايته الجهادية الأولى ومسيرته النّضالية بهذا النمط. ثم انضمت هذه المجموعة بمجموعة أخرى كان القائد الضابط رحمه الله يرأسها. وبعد مدّة اضطر الوزير ضابط رحمه الله لترك أفغانستان لأجل بعض المشاكل، فهاجر إلى باكستان إلا أنّ أعداء الله كانوا له بالمرصاد، وكمنوا له في الطريق، فاستشهد رحمه الله بنيرانهم الغادرة، وبعد ذلك فُوّضت إمارة هذه المجموعة المجاهدة إلى الشهيد أمير الله بمشورة ورأي المجاهدين الآخرين؛ لأنّه كان خليقاً للإمارة، كان شجاعاً مقداماً حازماً، مجاهداً كثير الغزوات، عالي الهمّة.

وعندما تقلّد رحمه الله هذه المسؤولية انثالت عليه المشاكل من كل حدبٍ وصوب، منها أنّ جمعاً كبيراً من إخوانه ورفاقه استشهدوا في سبيل الله، ووقع غير مرّة في كمائن الشيوعيين إلا أنّ الله سبحانه وتعالى نجّاه من الموت الحتمي كل مرّة.

ولمّا انتصر المجاهدون الأبطال في أفغانستان وهزموا الحكومة الشيوعية، ذهب الشهيد أمير الله برفقة مجاهديه المخلصين إلى ولاية جوزجان، وعاشوا حياة عادية كبقية عوام المسلمين.

وعندما تناحرت فصائل المجاهدين بعد انسحاب السوفييت وتقاتلت فيما بينها، أخذ الشهيد طريق رأب الصدع وتآلف القلوب في ولاية جوزجان، كي يوقف المجازر الدامية والقتال الناشب فيما بين الجماعات المجاهدة السالفة إلا أنها كانت بدون جدوى، فاضطرّ بأن يرحل من شبرغان جراء ضغوطات دوستم الخبيث، فأقام في مزار شريف.

 

دوره الريادي والقيادي في العهد الذهبي:

وعندما صعد نجم الإمارة الإسلامية في سماء أفغانستان المسلمة، غامر الفرح والسرور شهيدنا الباسل فانضمّ إلى صفوف الإمارة الإسلامية بلا تلكؤ أو تريث، وشارك في مختلف العمليات الجهادية والمعارك البطولية، وخدم كمسؤول مثالي في ولايات كثيرة مثل سمنجان، وسربل، وبلخ، وبغلان، وقندوز، وجوزجان. ولمّا هاجمت الإمارة الإسلامية ولاية جوزجان لأوّل مرّة كان الشهيد رحمه الله في ولاية جوزجان وبما أنه كان على صلة مع مجاهدي الإمارة الإسلامية، عُيّن من قبل الإمارة الإسلامية كقائدٍ عسكري في إحدى الخطوط الأمامية للمعارك.

ولمّا أرادت الإمارة الإسلامية أن تهاجم ولاية جوزجان عام 1377 هـ.ش، أقام الشهيد رحمه الله قبيل العمليات جلسات عديدة مع وجهاء القبائل وشيوخها، وشرح لهم خطة الإمارة الإسلامية وموقفها ومتطلباتها، وطمأنهم على بعض الأمور، وأراد منهم أن أن يساندوا المجاهدين وفق استطاعتهم، فهاجمت الإمارة الإسلامية ولاية جوزجان ظافرةً بأقل الخسائر، وهزموا الجنرال دوستم شرّ هزيمة.

 

بعد الاحتلال الأمريكي:

وعندما هاجمت أمريكا أفغانستان واحتلتها، اضطرّ الفقيد للهجرة من أفغانستان. وبعد مدّة أراد أن يبدأ نشاطاته الجهادية، فشاور قيادة الإمارة الإسلامية وبمشورتهم ذهب إلى ولاية جوزجان ليبدأ عمله الجهادي من ولايته ضدّ المحتلّين الغاصبين الذين احتلّوا أرضه ودياره، فأضرم الهيجاء في ولاياتٍ عدّة كولاية سربل، وولاية جوزجان ومزار، فدكّ عروش المعتدين، ورتّب مئات العمليات البطولية التي دوّخت المحتلّين وأذنابهم العملاء، وبما أنّه كان شجاعاً مقداماً، ويتمتع بذكائه المفرط في التكتيكات، اشتهر بـ”تورن” أي الجنرال.

كان رحمه الله بطلاً شجاعاً، حازماً سائساً، جمّ المحاسن، ذا همّة عالية، وعبادة ظاهرة، خلوقاً هشاشاً بشاشاً يحب في الله ويبغض في الله ويرضى في الله ويغضب في الله.

كان يتقن 4 لغات وهي البشتو، والفارسي، والأوزبكي، والتركماني، ويتكلّم بطلاقة باهرة في هذه اللغات ممّا جعله محبّباً فيما بين النّاس والأقوام.

كان رحمه الله يوصي دوماً إخوانه بأن يكونوا من المجاهدين الصادقين المخلصين، وأن تكون نياتهم خالصةً لإرضاء الله تعالى لا لأجل نيل المال أو الجاه أو المنصب، وأن يجعلوا هذا الأمر نصب أعينهم ليفوزوا في الدنيا والآخرة.

وبعدما تعب هذا المجاهد وتحمّل ما تحمّل من العناء والجهود المضنية، اصطفاه الله سبحانه وتعالى لصحبته في 13 من شهر ميزان عام 1386 هـ.ش في منطقة جهار جنت من ضواحي مدينة شبرغان عندما شنّ هجوماً عنيفاً ضدّ المليشيا والجنود العملاء، فاستشهد ومات بين الطعن والضرب ميتةً تقوم مقام النصر إذ فاته النصر كما قيل:

كَـذا فَـليَجِلَّ الخَطبُ وَليَفدَحِ الأَمرُ           فَـلَيسَ لِـعَينٍ لَـم يَفِض ماؤُها عُذرُ

فَـتىً مـاتَ بَينَ الضَربِ وَالطَعنِ ميتَةً       تَـقومُ مَقامَ النَصرِ إِذ فاتَهُ النَصرُ

فَـأَثبَتَ فـي مُـستَنقَعِ المَوتِ رِجلَهُ           وَقـالَ لَـها مِن تَحتِ أَخمُصِكِ الحَشرُ

 

اللهم اغفر للشهيد الباسل وارحمه وأكرم نزله ووسع مدخله وأغسله بالماء البارد والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغفر لجميع موتى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين .