عندما تتحول المنازل إلى مقابر جماعية

بقلم الاستاذ خليل وصيل

 

لعلكم سمعتم قصصا مفجعة أليمة، وشاهدتم مجازر مروعة فظيعة ولكن لا أخالكم سمعتم ورأيتم منازل تتحول إلى مقابر جماعية.

إنها أفغانستان حيث تتعرض يوميا منازلها الطينية للقصف الأمريكي الهمجي بطائراته العملاقة فتتحول المنازل إلى مقابر جماعية في طرفة عين .

لا أسرد لكم قصص أفغانستان كلها لأنها لا تسعها مجلدات ضخمة، ولكن سأتحدث لكم عن قريتي وموطني، قرية “شملزو” التي تقع شمالي مديرية “زرمت” في ولاية باكتيا.

وقد تحولت فيها المنازل السكنية بساكنيها خلال السنوات العشر الماضية إلى مقابر جماعية عدة مرات بسبب القصف الأمريكي. وإليكم قصتين؛ الأولى حدثت قبل عشر سنوات، وأما الأخرى فقبل أيام.

 

الحادثة الأولى، اندلعت اشتباكات بين مقاتلي حركة طالبان وقوات المداهمة الأمريكية عشية الثالث عشر من شهر يونيو عام 2008م، والطائرات الأمريكية غطت وجه السماء، وأزيز الرصاص وضجيج الطائرات بأنواعها ودوي القنابل كان يصم الآذان، صعدت إلى شرفة منزلي، وبدأت أتابع تبادل إطلاق النار من الجانبين، وفجأة اندلعت ألسنة اللهب مصحوبة بصوت هائل، وبعدها بثوان محدودة ألقت الطائرات الأمريكية قنبلة كبيرة أخرى واستهدفت وسط القرية.

غارات المروحيات الأمريكية وصواريخ الطائرات بلا طيار وقصف الطائرات الحربية كان أمراً عاديا بالنسبة لنا، لكننا لم نشاهد مثل هذا الانفجار الهائل، ومع بزوغ الفجر، لما انسحب الأمريكيون من القرية، اجتمع الأهالي إلى منطقة القصف، حيث اُلقيت كلتا القنبلتين على منزل رجل فقير في القرية “العم محمد نظر”، وكان منزله مدمرا بالكامل، وكان “العم محمد نظر” شهيدا مع بضعة عشر من أهل بيته، ولم يتبق في المنزل نفس حية.

وعند إخراج الجثث من بين الأنقاض، رأينا النساء كن مضطجعات في فُرُشهن، وكان الأطفال في أحضان أمهاتهم وكأنهم نيام، وما نجى من عائلة “العم محمد نظر” إلا ابنه “محمد إسحاق” الذي كان حينذاك مغتربا في السعودية، وقام أهل القرية بحفر القبور العديدة في زاوية من منزل “العم محمد نظر”، وهكذا حول أدعياء الديمقراطية بقصفهم الهمجي منزلا سكنيا بساكنيه إلى مقبرة جماعية.

وبعد مضي عشر سنوات على تلك الحادثة، وفي الثالث عشر من “يوليو” حوّل الأمريكيون المعتدون وعملاؤهم الوحشيون منزلا آخر إلى مقبرة جماعية في نفس القرية “شملزو”، وتبدأ القصة بهجوم القوات الأمريكية والقوات العميلة على المنطقة، حيث بدأوا بقصف عدة مناطق، وكان من بينها الغارة التي استهدفت منزل الحاج “خاصدار” في قرية “شملزو” مما أدى إلى مقتل جميع أعضاء أسرته.

ولم يكتف المحتلون بهذه المجزرة الأليمة، بل كبدوا أهل القرية خسائر فادحة في الأرواح والأموال، ويفوق عدد القتلى العشرات، وفي حين تم نشر مقاطع مرئية لجثامين الشهداء في صفحات التواصل الاجتماعي، ادعى وزير الدفاع الأفغاني -بكل وقاحة- بأنهم قتلوا في “زرمت” عشرات من مقاتلي طالبان.

إن مديرية “زرمت” من المديريات المكتظة بالسكان ويصل عدد سكانها إلى مائتي ألف نسمة، وكانت الغارات الجوية، وصواريخ الطائرات دون طيار، والمداهمات الليلية، والعمليات العسكرية هي منحة الاحتلال الوحيدة وعملائهم إلى أهلها، وخلال الأعوام السبعة العشر حدثت هناك مجازر كثيرة، وتحولت منازلها إلى مقابر جماعية، وهو غيض من فيض جرائم الاحتلال الأمريكي.