الافتتاحية: مؤتمرات السلام.. إلى أين؟

كثرت مؤخراً المؤتمرات ذات المسحة “الإسلامية” هنا وهناك، والتي تدعو الحكومة الأفغانية العميلة والإمارة الإسلامية إلى “السلام” و”نبذ الاقتتال والتفرق” و”الاجتماع على كلمة الحق والرجوع إلى أحكام الشريعة عند الخصومة والتنازع” و”وجوب المصالحة بين المسلمين”! كان آخر هذه المؤتمرات؛ المؤتمر الذي عُقد في السعودية بعنوان: (المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين حول السلم والأمن في أفغانستان).

القاسم المشترك بين هذه المؤتمرات هو تجاهل الاحتلال الغاصب تماماً والذي يجثم على صدور الأفغان منذ 7 أكتوبر 2001م، وتصوير القضية برمّتها على أنها اقتتال مسلّح وحرب أهليّة بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد!

إن هذا التصوير هو عين “الاستحمار” الذي يمارسه هؤلاء بحق الشعوب؛ والاستحمار معناه: معاملة الإنسان الراشد العاقل كأنه حمار لا يعقل ولا يفهم!

هكذا ببساطة! يتم اختزال الحرب الظالمة التي شنتها أمريكا بكل طغيانها وترسانتها العسكرية على الشعب الأفغاني والتي ستدخل قريباً عامها السابع عشر، والقواعد العسكرية المتناثرة على امتداد التراب الأفغاني، يتم اختزال ذلك كله في فريقين أفغانيين متخاصمين، لابد من إصلاح ذات بينهم!

أيها السادة المشاركين في مؤتمر السلام، هل تعلمون أم تجهلون أن هذه الأرض -التي تدّعون أن الصراع فيها هو صراعٌ أهليّ بين أبنائها- يحتلها حتى الآن أكثر من 15 ألف جندي أمريكي عدا عن جنود الاحتلال الآخرين من دول الناتو!

هل تعلمون أن هؤلاء المحتلين القتلة الذين لم يرد ذكرهم في بيانكم ولو على استحياء أو من باب “رفع العتب”، هم أُس المشكلة وأساسها في أفغانستان، وهم مادة القتال الدائر ووقوده منذ 16 عاماً، ولولاهم لما أطلقت رصاصة واحدة فوق هذه الأرض؟!

هل تعلمون أن ثمّة دماء هنا تُسفك يومياً، وأرواحٌ تزهق، وأطفالٌ يُيتّمون، ونساءٌ يرمّلن، وسجون غصّت بالأبرياء والمظلومين، وبيوت تُنتهك حرمتها، ومساجد تهدّم، ومدارس تُدمّر، كل ذلك بفضل وبركة أولئك الذين لم تجرؤوا أن تأتوا لهم بإشارة ولو من بعيد في بيان مؤتمركم!

ودماء 150 حافظاً من حفظة كتاب الله الذين قصفتهم طائرات الاحتلال وعملائه مطلع شهر أبريل الماضي، شاهدٌ حيّ على بعض ما يعانيه الشعب الأفغاني من المحتلين السفاحين الذين يتم غسل أيديهم الملطخة بدماء الأبرياء في مثل هذه المؤتمرات بوضع الظالم والمظلوم في نفس السلة، بل والإلقاء باللائمة على المظلوم وغض الطرف عن الظالم.

أيها السادة، إن كنتم تجهلون واقع الحال في أفغانستان فأنتم متحدثون جهلة، وإن كنتم تعلمون فأنتم شياطينٌ خرسٌ سكتت عن الحق ونطقت بالباطل، ونصرت الظالم على المظلوم! واعلموا أن الحر الشريف يموت ولا يأكل بلحيته.

 

إن السلام الحقيقي من المحال أن يتحقق في ظل احتلال غاصب، وتحقيقه لا يكون إلا بارتحال آخر جندي محتل عن هذه الأرض الطيبة، عندها يحل السلام ويعمّ الأمن أرجاء أفغانستان تلقائياً، إذ لا مشكلة في أفغانستان سوى وجود هؤلاء الغاصبين فوق أرضها. وقد أوضحت الإمارة الإسلامية موقفها من محادثات السلام غير مرة، ويمكن للمهتمين أن يرجعوا للبيانات الخاصة بهذا الشأن في موقع الإمارة الرسمي.

إن الشعب الأفغاني الأبي المجاهد قد أخذ على عاتقه قتال المحتلين المعتدين منذ اليوم الأول الذي وطئت فيه أقدامهم النجسة أرضه الطاهرة، وساعده الأيمن في هذا الجهاد المبارك هم علماؤه الصادقين الأجلاء الذين لا يخافون في الله لومة لائم. ولن يفُتّ في عضد هذا الشعب أو يوهن عزيمته عبث العابثين بمؤتمراتٍ يتم فيها استحمار واستغفال الأمة، ولو أُقحِم اسم مكة المكرمة -زادها الله شرفاً- لتمرير مكر العدو وخداعه إلى العقول والأذهان.

فامضِ أيها الشعب المجاهد في زورق إبائك، وواصل المسير باسم الله وعلى بركة الله إلى هدفك السامي العظيم، ضع أراجيف المرجفين تحت نعليك وامضِ، ولا تلتفت هاهنا أو هناك، بل على آثار الآباء والأجداد ضع ناظريك، فثمّ الفلاح والفوز والنصر المبين.