شعب واحد، ودين واحد

سيف الله الهروي

 

تتكوّن أفغانستان من مناطق مختلفة ومن قوميات وعرقيات متنوعة، يضمّهم بيت واحد، وهو هذا الوطن الذي ظلّ عبر التاريخ أرض الغزاة والفاتحين، ويوحّدها دين واحد وهو الإسلام دين الله الذي لو ابتغى أحد دينا غيره لن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.

إن الشعب الأفغاني شعب مؤمن متديّن محب للدين الإلهي، شعبٌ غيور على دينه لا يرضى بدينه بديلا ولا عوضا ولا أي شيء، ولم يساوم ولم يتاجر بدينه في الماضي، ولا يرجى أن يفعل ذلك في مستقبل الأيام إن شاء الله، لذلك انتفض هذا الشعب مرّتين انتفاضتين كبيرتين دمّرتا معهما إمبراطوريتين عظيمتين لمّا شعر أنّ دينه يُحارب، وأنّ عرضه يُنتهك، وأن قدسية تراب وطنه دنّست تحت أقدام المحتلين، انتفض ضدّ الإلحاد الشيوعي الذي فُرض عليه قبل عقود ظلما وجورا، وضحّى أبناء هذا الشعب بالغالي والرخيص دفاعا عن وطنهم وعرضهم ودينهم، وسطّروا صفحات رائعة خالدة من البطولة والجهاد، وانتفضوا من قبل ضدّ الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغيب عنها الشمس آنذاك! لكن انتفض الشعب الأفغاني ضدهم ومسحوا جيش الإمبراطورية البريطانية من وجه الأرض!

يّحكى أنّه في عام 1841م، وفي قرية من أفغانستان نزل بعض العسكر البريطانيين واقتحموا أحد المنازل القروية ونهبوا ما بها من مال وطعام وملابس وبطانيات، وكانت الثلوج قد غطّت الأرض كلّها، وكان الرجال خرجوا ليحتطبوا من الجبل ويصطادوا طعامهم، وأثناء خروج الجنود البريطانيين مال أحدهم إلى حجرة جانبية بها سيّدة المنزل، ونزع غطاء الوجه عنها باحثا عن سلاسل ذهبية في صدرها فما كان من السيدة إلّا أن أخرجت سكّينا كانت تخفيه، وذبحت به المحتل البريطاني، ثمّ ألقى زملاؤه القبض عليها واقتادوها معهم، فهاجت القرية على الدورية وذبحوا 160 جنديا، منهم 8 ضباط برتب مختلفة، وخلصوا السيدة من أيديهم ثمّ اشتعلت ثورة عارمة في أفغانستان ضدّ الإحتلال الانجليزي، وكانت شعلتها في مدينة كابول، قتل في تلك الثورة المعتمد البريطاني وعدد كبير من كبار الضباط الإنجليز حتى قيل أن المجاهدين الأفغان في ذلك اليوم أبادوا  ١٧٠٠٠ جندي بريطاني وذلك في كمين نصبوه لهم في “خورد كابول” فلم ينج من تلك الموقعة سوى الطبيب العسكري الانجليزي “بريدون” الذي فرّ إلى جلال آباد ليخبر قومه بالمصيبة التي حلّت بجيشهم، جيش بريطانيا العظمى، جيش الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، مسحه المجاهدون الأفغان من وجه الأرض، ولم يبقى من 17 ألف جندي إلّا واحدا فقط.

فطلب القائد البديل الذي أتى من الهند منقذا لمن تبقّى من الموظفين المدنيين طلب الأمان من المجاهدين مستعطفا لهم أن يتركوا المدنيين يخرجوا سالمين من أفغانستان فسمحوا لهم بالخروج بعائلاتهم من أفغانستان غير مأسوف عليهم.

فتعلّم الانجليز في تلك الواقعة الكثير، وتعلموا أيضا أن ينظروا إلى الأفغان بغير العين التي ينظرون بها إلى جيرانهم، وتعلموا أن الشعب الأفغاني لن يهدأ أبدا وله ثأر ولن يقبل أن يطأ الأجنبي تراب وطنه.

لقد أدرك الأعداء هذه الحقيقة في الشعب الأفغاني، لذلك فهم يبذلون قصارى جهدهم على ألّا تنهض أفغانستان مرّة أخرى، ويسعون إلى أن يبقى هذا الشعب مشتتا ممزقا غير موحد، ضعيفا عاجزا عن أخذ ثأره من الغزاة المحتلين لتراب وطنه، فهم يعلمون أنه لو تركت الفرصة لشعبها الحرّ لناطحت القوى العظمى في عظمتها، فأفغانستان اليوم نفس تلك الأفغانستان التي علّمت الإنجليز ومن بعدهم الروس درسا كبيرا، وهؤلاء الأبناء من أولئك الآباء، لذلك ترى الأعداء اليوم يبتغون كافّة الطرق والوسائل للإضرار بوحدة هذا الوطن، و تفريق أهله المحبين المتدينين المتمسكين بشرع الله تعالى، ومن وسائل الإضرار بهذا الوطن الواحد والشعب الواحد التي تمسك بها العدو أخيرا هي إثارة العصبيات القومية العمياء، حيث وجدوا في  التنوع اللساني القومي في هذا البلد فرصة ذهبية لأنفسهم لإثارة الفتن والنزاعات وإشعال الأحقاد بين أبناء الشعب الواحد، ومن ثمّ تنفيذ مشاريعهم الاستعمارية الاحتلالية، ولأجل تحقيق هذا الهدف يسقون بعض القوميات فكرة المظلومية الموهومة، ويغذّونها بكمية كبيرة من بواعث الثأر والانتقام والكراهية ضدّ الأكثرية، وينشرون كل وسيلة بإمكانها أن تثير الصراعات والنزاعات القومية في وسائل إعلامهم، ليشعلوا بذلك فتيل النزاعات العصبية العابثة، والصراعات العمية التي إذا اندلعت في وطن مّا يتضرر الجميع بها، ويتفكك النسيج الاجتماعي.

هنا يتحتم على الجميع علماء وإعلاميين، نخبا ومثقفين أن يقفوا موقف رجل واحد ضد كافة الرايات والنعرات القومية التي تفرّق ولا توحّد، والتي تثير الفتن والدماء ولا تحقن دماء ولا تحمل سلاما، ويحذروا المواطنين من كافة القضايا التي من شأنها أن تؤدي إلى نزاعات وجدالات قومية في البلاد، وأن يذكروا لشعبهم شيئا من تاريخهم القريب الذي فيه دمّروا إمبراطوريتين عظيمتين في العالم، حتى يأتي قريبا ذلك اليوم الذي يطلب فيه المحتلون الجدد أن ترضى عنهم أفغانستان، وأن يرضى عنهم الشعب الأفغاني، ويسمحوا لهم بالعودة سالمين إلى بلادهم بعائلاتهم كما طلب أسلافهم، وما ذلك على الله بعزيز.