الجهاد الأفغاني والتضليل الإعلامي

أ.د. حاكم المطيري

 

حين بدأ الجهاد الأفغاني، لم يكن يخطر ببال أحد أنّ هذا الجهاد سينتهي بتحرير أفغانستان ثم تحرير سبع جمهوريات فيها نحو سبعون مليون مسلم، كانوا جزء من روسيا القيصرية، قرابة مئتي سنة ثم كانت النتيجة على هذا النّحو.

ومن يحاول أن يقزّم الجهاد الأفغاني أو يُصوّر الجهاد الأفغاني على أنه هو صراع بين أمريكا وروسيا هو في الحقيقة يُزيّف التاريخ وحقائق التاريخ، فالروس لم يخرجوا من أفغانستان بسبب صاروخ استينجر وإنّما خرجوا بعد 10 سنوات من القتال الذي استنزف روسيا وذهب آلاف القتلى من الجيش الروسي واعترف غورباتشوف البيريسترويكا في كتابه أن أفغانستان هي السبب ما حدث في روسيا، وليس صاروخ استينجر الذي كان المسلمون يدفعون ثمنه أيضاً، ودخل صاروخ استينجر قبل حسم الصراع بأشهر أو بفترة قصيرة في الوقت الذي كان المجاهدون والشعب الأفغاني يقدم عشرات الآلاف من الشهداء والأبطال، وانتهى بتحرير أفغانستان وإخراج روسيا فحسب وإنما بتحرير سبعين مليون مسلم في الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى.

فهذا التضليل الذي يحاول أن يصوّر على أنّ جهاد الأمة – صحيح أنه تقاطعت المصالح، وصحيح أنّ من مصلحة أمريكا الوقوف مع الأفغان لمواجهة التمدّد الاتحاد السوفييتي- لكنّ الذي هزم الاتحاد السوفييتي ليست أمريكا وإنما الأفغان، والجهاد الأفغاني والأمّة التي وقفت مع الجهاد الأفغاني، والدّماء التي بُذلت.

لا يمكن أن يختزل الجهاد شعب بأكمله قدّم، وليس شيء جديد على الشعب الأفغاني، معروف تاريخياً أن أفغانستان هي مقبرة الغزاة، هزمت الجيش البريطاني قبل أن يأتي الروس، وهزمت الروس واليوم تهزم الأمريكان، اليوم أمريكا تواجه هزيمة حقيقية في أفغانستان، فالإدعاء أن هذا الجهاد مربوط بأمريكا وأنّ أمريكا هي مَن تديره، هي من تواجها اليوم وأمريكا التي واجهت الشعب العراقي وجهاده، والشعب الأفغاني وجهاده، والأمة التي جاهدت الروس هي التي جاهدت أمريكا في العراق وأفغانستان.

فهذا التضليل الإعلامي الذي يُروَّج على أن الحالة الجهادية في الأمّة هي مرتبطة بأمريكا أو بالاستخبارات الأمريكية هي تضليل للرأي العام، ذروة سنام الإسلا الجهاد، والجهاد كما في الحديث ماضٍ إلى يوم القيامة، وقال عليه الصلاة والسلام: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدّينِ، ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ”، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ ؟ قَالَ: ” بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

فهذا الجهاد قائم، مما هنالك كيف يرشَّد هذا الجهاد، ويُوَجّه بالشكل الصحيح، وكيف نستطيع أن نبلور المشروع السياسي يكون في صالح الأمّة كلها، لتعود أمة واحدة، وخلافة راشدة على منهاج النبوة من جديد، هذا لن يتم إلا من خلال عملٍ طويل ومضني، وحركة التحرر تاريخيا تبدأ بتحرير المنطقة من هذه الحملات الصليبية، ثم تقيم دول راشدة تقيم أحكام الإسلام كما في الحديث عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور، هذه الدولة الراشدة نحن أحوج ما نكون إليه اليوم، فهذه الدول الوظيفية انتهت وهي تحتظر، وفي سنواتها الأخيرة وستسقط مع سقوط هذا العدوّ المحتلّ وستخرج بخروجه، فوصل الحال بهم إلى التحالف مع اليهود، وتشكيل قوّة أو العمل من أجل تشكيل قوة واحدة، يخوض حروب ضدّ الأمّة، هذه نهاية لهذا الوجود الاستعماري، ونهاية الدول الوظيفية وبلاشك الأمة في حاجة إلى مشروع سياسي راشد، ومشروع جهادي راشد أيضاً. إلا أنه على كل حال فرض الدفع لا يُنتظر فيه بالورد المشروع السياسي وإنما الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى دفع هذا العدوّ الصائل، الدفاع عن أرضها ومحارمها ونسائها وأطفالها، إلى أن يصبح الظرف مهيأ لقيام الدول راشدة وحكومات راشدة تعبّر عن هذه الأمة، وعن هويتها وعن دينها وعن عقيدتها، وهذا ما ستؤول الأمور إليه بإذن الله، لكن بعد أن يتحقق النّصر، وبعد أن يتم التحرير.