أسباب النصر والهزيمة

عرفان بلخي

 

قال أميرنا الراحل ملا محمد عمر المجاهد رحمه الله -قبل عشرين سنة- حين سئل: كيف تواجهون أمريكا مع كثرة أسبابها الحربية وتقنيتها العسكرية الفائقة وغطرستها اللا متناهية؟ قال رحمه الله بكل هدوء وثقة: “إن الله وعدنا بالنصر وأمريكا وعدتنا بالهزيمة وسيرى العالم من أصىق وعداً!”.

وهاهو اليوم الذي نرى فيه هزيمة أمريكا بأم الأعين وعلى خطى من كان قبلهم من الغزاة الفراعنة والطواغيت. فلقد كان كلام الأمير رحمه الله يعبق بالإيمان بالله واليقين بقوله: (إن تنصرو الله ينصركم ويثبت أقدامكم).

فكأن الأمير الراحل مصداق قول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم “رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره”.

رحمك الله أيها الأمر، لو رأيت اليوم هذا المنظر الرهيب وشاهدت حشد جنود الأعداء منسحبين حاملين الخزي والعار والشنار لقرت عينك ولشفي صدرك الرحب.

“فالسلام عليك بثيابك الرثة وإيمانك الأنيق، السلام عليك بجيوبك الفارغة وقلبك الممتلئ، السلام عليك يا متوكل على الله حق التوكل فإنهم يحشدون لك جنرالات البنتاغون وتحشد لهم جنرالات سورة الأنفال، السلام عليك يحاصرونك اقتصاديا فترفع طرفك إلى السماء فيستدر عليك خزائن السماء والأرض، حق على التاريخ أن يسجل مواقفك الجريئة الباسلة بأحرف من نور”.

هذا وقد زفت -عند كتابة هذا المقال- بشرى سارة بأنه قد بدأ خفض العنف اعتبارا من 22 فبراير وسيستمر لأسبوع، وسيكون في جميع أنحاء البلاد. وأعلنت الامارة الاسلامية عن اتفاق سلام مع الولايات المتحدة، السلام الذي سيتم توقيعه بحلول نهاية شهر فبراير، واتفق الجانبان على توقيع الاتفاقية بحلول نهاية هذا الشهر، بعد تهيئة بيئة مواتية قبل توقيع الاتفاقية وسيتم تبادل 5000 أسير من الامارة الاسلامية مقابل 1000 من قوات الأمن لإدارة كابول العميلة.

نحن نحسب هذا الحدث فتحاً مبيناً وهزيمة للعدو المعتدي، وكما أنزل شعبنا الهزيمة القاسية بالبريطانيين فقد شاءت أقدار الله أن ينزل هزيمة مماثلة بالسوفيت”، ونحن نقول قد آن أوان إنزال الهزيمة النكراء بأمريكا -بإذن الله- وليس بوسع ترامب إبادة هذا الشعب الأبي أو محو بلاده من على وجه الأرض كما ادعى يوماً.

نحن نؤمن بأن سبب النصر على الأعداء هو الايمان الذي تقوى أسباب النصر بقوته وتضعف بضعفه، وإن الله وعد عباده الذين ينصرون دينه ان ينصرهم وانه وليهم وناصرهم وان الكافرين لا ناصر ولامولى لهم. فلذلك إن الذين رسخ الايمان في قلوبهم لايتزلزلون من لقاء العدو مهما بلغت قوته، بل يزيدهم ايمانا فوق ايمانهم وثقتهم بربهم متوكلين عليه، المؤمن لايخاف أن يقف أمام الكثرة من أعدائه فالإيمان القوي يرتفع بصاحبه إلى قمة التوكل على الله تعالى والثقة في نصره على أعدائه ولو كانوا اكثر عددا وعدة؛ لإيمانه بأن الله هو الذي يتولى المعركة وهو الناصر الحقيقي وما النصر إلا من عند الله. يقول السيد الشهيد في ظلال القرآن: “إن النصر في بدر كان فيه رائحة المعجزة فقد تم بغير أداة من الأدوات المادية المألوفة للنصر، لم تكن الكفتان فيها – بين المؤمنين والمشركين – متوازنتين ولا قريبتين من التوازن، كان المشركون حوالي ألف، خرجوا نفيرا لاستغاثة أبي سفيان، لحماية القافلة التي كانت معه، مزودين بالعدة والعتاد، والحرص على الأموال، والحمية للكرامة، وكان المسلمون حوالي ثلاثمائة، لم يخرجوا لقتال هذه الطائفة ذات الشوكة، إنما خرجوا لرحلة هينة، لمقابلة القافلة العزلاء وأخذ الطريق عليها ; فلم يكن معهم – على قلة العدد – إلا القليل من العدة. وكان وراءهم في المدينة مشركون لا تزال لهم قوتهم، ومنافقون لهم مكانتهم، ويهود يتربصون بهم.. وكانوا هم بعد ذلك كله قلة مسلمة في وسط خضم من الكفر والشرك في الجزيرة، ولم تكن قد زالت عنهم بعد صفة أنهم مهاجرون مطاردون من مكة، وأنصار آووا هؤلاء المهاجرين ولكنهم ما يزالون نبته غيرمستقرة في هذه البيئة”.

نعم لقد جرت سنة الله في الأرض أن ينشأ صراع دائم بين الحق والباطل والخير والشر من قديم الزمان، ومرت الإنسانية عبر القرون في مراحل الحياة المختلفة بكثير من الحروب والدمار وتسلط الأقوياء على الضعفاء، وقد أرسل الله الرسل منذرين ومبشرين، ولكن النفوس الضعيفة أبت إلا العصيان حتى جاء الدين الخاتم الذي جعل من الجهاد ذروة سنام الدين وأفضل الاعمال عند الله، وقامت فئة من المسلمين بتولي مهمة الدفاع عن الدين والوطن والمقدسات ضد كل غاصب ومحتل، وقد أوصى الدين الإسلامي المؤمنين بالقتال دفاعا عن الحق والشرف، ولإعلاء كلمة الله وصد العدوان عن حريم الإسلام.

والمؤمن الحق لا يخاف الموت ولا يهاب قوة العدو ولا تضعفه الأراجيف والإشاعات ولا يستكين للاحتلال، وهذا المؤمن يقظ أشد اليقظة، حذر أعظم ما يكون الحذر، يتأهب للعدو ويعد العدة للقائه، ولا يستهين به في الحرب والسلم، ويضحي بكل غال ونفيس في سبيل الله.

كل هذه السمات من العقيدة الاسلامية مستمدة من القرآن الكريم الذي عملت آياته المحكمات على ترسيخ العقيدة الإسلامية في عقول المسلمين وقلوبهم بكل ما فيها من أسس وتفاصيل، ومن السنة المطهرة التي حوت ذخيرة لا تقدر في العقيدة القتالية، هذه العقيدة الاسلامية تفسر سر الفتوحات الإسلامية التي امتدت تسعا وثمانين سنة من السنة الحادية عشر للهجرة وحتى سنة مئة هجرية من الصين شرقا إلى فرنسا غربا ومن سيبيريا شمالا إلى المحيط جنوبا.

إن العقيدة الاسلامية تزرع المعنويات العالية التي يجب أن يتحلى بها المسلم، وهي عقيدة الهية، وهي في الحقيقة موجب من موجبات النصر في جميع الميادين، وإن المؤمن الحق يعلم أن العزة لله ولرسوله والمؤمنين، فالمؤمن الحق المتمسك بدينه هو العزيز ومن سواه ذليل، حتى ولو كانت الظواهر المادية بخلاف ذلك، وإن النصر مع الصبر، وإن التمسك بالدين والثبات عليه والدفاع عنه مهما أتى على الانسان من الابتلاء هو النصر الحقيقي الكامل.

وإن مصدر الشجاعة للمؤمن الإيمان بالله تعالى، لأن الإيمان يبعث في النفس روح الشجاعة والإقدام واحتقار الموت والرغبة في الاستشهاد من اجل الحق، إذ أن الإيمان يوحي بأن واهب العمر هو الله، وأنه لا ينقص بالإقدام ولا يزيد بالإحجام، فلذلك يحتمل الأهوال بشجاعة ويثبت إزاء الخطوب مهما اشتدت، المؤمن يرى أن يد الله ممدودة إليه بلا كيف وإنه هو القادر على فتح الأبواب المغلقة، فلا يتسرب إلى قلب المؤمن الجزع ولا يعرف إلى اليأس سبيلا.