حوار مع “موسى فرهاد” المحلل السياسي المختص في شئون الجهاد الجاري في أفغانستان

ملحوظة: قامت مجلة “سرك” بإجراء حوارات مع أبرز المحللين والكُتَّاب على مستوى البلد بخصوص الأوضاع الراهنة من الجوانب المختلفة، ولأهميتها البالغة سيتم نشرها على موقع الصمود.


سرك: وفقاً للتقارير وحسب تصريحات الفريقين المتفاوضين في قطر، قد تم الاتفاق على إعداد آلية مشتركة للمحادثات الأفغانية، فما السبب من وجهة نظرك لتمديد هذا النقاش؟ وما هي النقاط الرئيسية التي وقع الخلاف فيها؟ وهل تم حلها؟ وكيف؟

موسى فرهاد: بسم الله والحمد لله. وبعد: الحقيقة هي -للأسف الشديد- أن ما كان يجب إنهاؤه عاجلاً قد تأخر كثيرًا، حتى استمر الوضع الدموي في الوطن لتسعة أشهر، وخلالها فَقَدَ آلاف المواطنين حياتهم أو أعضاء أجسادهم، ومن سوء الحظ أن كل هذا حدث بسبب الأيادي الخفية التي تقوم بدسائسها خلف الكواليس، الذين لازالوا يجاهرون -فعلاً- مخالفة الاتفاق على آلية مشتركة، لكنهم يرددون -قولاً- الموافقة والإيجاب اضطرارا.

وبدا بوضوح أن تمديد الحرب لتسعة أشهر، وتخييب أمل الشعب تجاه الصلح والسلام، كل ذلك يقع على عاتق هذه العصابة التي تعتبر نفسها حاكمة أفغانستان -بحجة أنها في القصر الرئاسي-، و لكن في الواقع فإن غايتهم وهدفهم الوحيد هو نهب الأموال واستغلال صلاحية المنصب فحسب.

لكن رغم هذا كله، فمن دواعي السرور أنه تم التوصل إلى اتفاق حول آلية مشتركة للمفاوضات، والمرجو ألا تتعثر عملية السلام ولا تُختلق في المستقبل عقبات جديدة في طريق المفاوضات الأفغانية تحت شعار “الحفاظ على الإنجازات” من قبل العناصر المخالفة للسلام.

وقد اتفق الفريقان على 21 أو 22 مادة وفق ما نشر من التصريحات والتقارير، وعلى ما أعلم، فقد تم كتابة جميع البنود العشرين من قبل فريق إدارة كابول المشتركة، ثم قُدّمِت لممثلي الإمارة الإسلامية، فوافقوا عليها جميعهم، وأضافوا إليها “أن يكون اتفاق الدوحة أساس المفاوضات” بشكل مادة، وصرحوا بها في المقدمة أيضا.

وخلاصة القول فإن 19 مادة من فريق ومادة واحدة من الفريق الآخر، وهذه المادة الوحيدة قد عارضها بعض أعضاء الفريق الجمهوري، ونقلوا الحديث إلى وسائل الإعلام والقصر الجمهوري، مما أدى إلى خلاف ونقاش دام تسعة أشهر، وأخيرا عادوا إلى حيث بدأوا، ووقع الاتفاق على البنود التي تم تحريرها في البداية دون تغيير.

ورغم أن الطرفان لم ينشرا أي تفاصيل رسمية بهذا الخصوص، إلا أن مصادرنا تشير إلى أن النقاط التي أكد عليها فريق كابول قد تم انضمامها إلى المقدمة بهذا الشكل، بحيث يكون اتفاقية الدوحة أساس المفاوضات، ويُهْتَمُ في هذه المفاوضات بمطالبات الأفغان، ولا يتغافل عن آراء الأمم المتحدة، والمشورات الخارجية بشأن السلام.

على كل حال، فهذه بشرى سارة أن ينتهي الاحتلال، ويقام نظام إسلامي في أفغانستان، ويتحقق فيها الصلح والسلام بدل الحروب والنزاعات، ويحل الازدهار والتطور والرقي.

سرك: نظام كابول في البداية كان يخالف بشدة كل محادثة ولقاء وحوار مع الأمريكيين أو مع الأفغان حول السلام، ثم في الأخير تنازل عن موقفه، فقبل اتفاقية إنهاء الاحتلال التي تمت في قطر، وقامت بالإفراج عن 5000 أسير، وأذعنت لبدء المحادثات الأفغانية، وقبلت أن اتفاقية الدوحة أساسا للمفاوضات، وأن يكون المذهب الحنفي المصدر الفقهي الوحيد، ووافقت على آلية المفاوضات الأفغانية، في حين أن النظام كان قد رفض كل ذلك في البداية، فمن وجهة نظرك، لماذا تثير إدارة كابول جدلا ثم تتراجع عنه بعد مدة، وهي تعلم أنها لن تصمد على ما تثيره حتى النهاية؟ بينما يوجد المئات من المستشارين في القصر الجمهوري، وهناك مجلس النواب، وأمة من المتخصصين؟

موسى فرهاد: للأسف، إذا لم تكن لرئيس البلد إرادة وعزم، وتم تنصيبه حاكما على الشعب من قبل الأجانب ودعمهم، فمن الطبيعي أنه ليس له أي اختيار في إراداته، وهو عاجز في قراراته وتصرفاته، وكل ما يقوم به يكون ضحك وهراء وسخرية، ويحتمل أن يكون لديه مستشارون جادون، لكنهم – كمثله- سخرهم الطمع في الحصول على الدولارات والمناصب والإمكانيات.

لمزيد من التوضيح، سأذكر نموذجاً: أعلن كرزاي عام 2007 أن جميع أعضاء طالبان، ومن بينهم القادة، لهم أن يعيشوا بحرية في أفغانستان، وليس لدينا أي مانع في ذلك.

حينها أعلن وزير الدفاع “دونالد رمسفيلد” على الفور أن كرزاي ليست لديه سلطة لتبرئة قادة طالبان وعامة أعضائها، بل إنهم تحت مراقبة الولايات المتحدة وحلفائها، فإما يقتلون أو يعتقلون، لكن بعد ثلاث سنوات خضعت الولايات المتحدة -مع تكبرها وغطرستها- للمفاوضات، ووقعت اتفاقية تاريخية لإنهاء الاحتلال مع طالبان، ووعدت بإطلاق سراح 5000 أسير، حينئذ عارض رئيس القصر الجمهوري “أشرف غني” قائلاً: “ليس لدينا أي تعهد والالتزام بالإفراج عن 5000 أسير”، وفي الوقت نفسه أكثر من رسم خطوط حمراء، لكن في النهاية! رأى الناس أن أوامر الولايات المتحدة هي التي قد نُفذت، ولا تزال يمتثل بها، وخلاصة القول، أن العناصر الحاكمين في إدارة كابول ليست في أيديهم أية سلطة، وليس لهم أي خيار، وهذه حقيقة ظاهرة لا ينكرها أحد.

سرك: هناك من يقول إن الإمارة الإسلامية ليسوا إلا أبطال حروب ومعارك، وليس لهم إيمان ولا يقين بالإفهام والتفهيم، فهل هذه حقيقة؟

موسى فرهاد: أرى أن هذه القضية منعكسة، فقد عرضت الإمارة الإسلامية على خصومها الداخليين أيام حكمها إجراء محادثات وتصالح، وكذا عرضت -مئات المرات- على الولايات المتحدة حل القضايا بشكل سياسي عن الطريق النقاش والتفاهم، لكن الولايات المتحدة ركبت رأسها واعتبرت نفسها القوة العظمى في العالم، واستنكفت من المفاوضات مع طالبان.

لقد رأى العالم الآن فعلاً بأن الإمارة الإسلامية كما أنها تقدم تضحيات ثمينة في ساحات المعركة، لها القدرة كذلك على حل القضايا سياسياً، فثبت أن ادعاء عدم قدرة الإمارة الإسلامية ومهارتها إلا في الحرب كذبة محضة، وبعيدة عن الحقيقة وواقع الأمر.

سرك: سيد فرهاد! الأمين العام للناتو يصدر تقريرا من حين لآخر ويقول فيه، أنه من اللازم ألا تسحب الولايات المتحدة قواتها، إلى أن قال قبل يوم: إن غادر الأمريكيون فلن يغادر الناتو”. ما الذي تلمح إليه هذه التصريحات؟، هل سيمدد الناتو حضوره في أفغانستان دون دعم أمريكا وإذنها؟

موسى فرهاد: أنا متأكد بأن الناتو لن يبقى في أفغانستان ولو للحظة بعد انسحاب الولايات المتحدة، بل إن مجيأه إلى أفغانستان إنما كان اضطرارا لتحالفه مع الولايات المتحدة؛ ثم أن هذا مما لا تقتضيه مصالحهم ولا مما يعقل.
ولكن لماذا يصرح الأمين العام للناتو من حين لآخر باستمرار الاحتلال والحرب ضد السلام؟

أعتقد أن هناك سببين لتلك التصريحات:

أحدهما: أنه يريد بمثل هذه التصريحات رفع معنويات نظام كابول، الذي تحملت الناتو الكثير من الخسائر المادية والبشرية في سبيل تدريبه طيلة السنوات الـ 20 الماضية.

والآخر: أن الناتو إنما تم إنشاؤه من أجل مواجهة “حلف وارسو”، والتي تنوب الآن عنه روسيا وإلى جنبها الصين، وحلف الناتو يعتبرانهما خصمين استراتيجيين، فإن انسحاب الناتو فجأة من أفغانستان دون تحقيق الأهداف، تعد بمثابة هزيمة نكراء، لذا فإن الأمين العام لحلف الناتو بإصدار مثل هذه التصريحات يشير للمنافسين التاريخيين بأن انسحابنا من أفغانستان أمر على راجع إلينا، نخرج ونبقى كيفما نشاء ومتى ما نريد،

والحقيقة هي أن الناتو ليس لديه أي خيار سوى سحب قواته من أفغانستان في الموعد المحدد، وفق الاتفاق المبرم بين أمريكا والإمارة الإسلامية، وإلا فستلحقه خسائر فادحة كالعقدين الماضيين.

سرك: إن إدارة كابول، وخاصة زمرة القصر الرئاسي، متفائلة لرئيس أمريكا الجديد (جو بايدن)، بأنه سوف يحفظها من الزوال، وأنه غير يائس من قضية أفغانستان مثل سلفه (ترامب)، فهل يريد (بايدن) من وجهة نظرك أن يمدد الحرب في أفغانستان ويلغي اتفاقية الدوحة؟

موسى فرهاد: إن الجهود والمحاولات الحالية التي يبذلها مسؤولو كابول من أجل تأمين سلطتهم سطحية جدا، فمنذ أن بدأت المفاوضات مع الولايات المتحدة وتم التوقيع على الاتفاقية التاريخية، ثم أتت مرحلة تنفيذها، كالإفراج عن المعتقلين… وغيره، فخلال هذه الفترة لم تبق خطوة أو محاولة إلا واتخذها مسؤولو إدارة كابول من أجيل إيقاف عملية السلام، أو على الأقل استمرار مواردهم الاقتصادية بشكل ما، لكن جميع جهودهم في هذا الصدد باءت بالفشل.

وفي الآونة الأخيرة، تم إرسال بعض أمراء الحرب إلى الهند ودول أخرى من أجل أن يتولوا دعمهم، فيما لو غادر الأمريكيون وبقوا دون راعٍ ومولى.

إن مسئولي إدارة كابول كانوا حزينين من ترامب وخليلزاد ومايك بومبيو، أي: من إدارة ترامب، بحجة أنهم يزعمون أن إدارة ترامب هي التي تريد إنهاء الاحتلال الأمريكي وسحب القوات، لذا علقوا آمالهم بـ “جو بايدن”، وطفقوا يحاولون تأخير عملية السلام إلى الانتخابات الأمريكية، وهذا يدل على سطحية تفكيرهم؛ لأنهم يظنون أن “بايدن” يخالف “ترامب” ويعارضه في إنهاء الاحتلال، بحجة أنه منافس ترامب في الانتخابات، والحال أن هذه العملية أجريت وفق خطة أمريكا، ولم تكن مجرد خطة ترامب فقط.

وجاد الأمر وحسن كثيرا عندما ربط المشاركون في مؤتمر جنيف مساعداتهم لأفغانستان بالتقدم في عملية السلام الجارية، يعني أن المجتمع الدولي وافق على انتهاء الاحتلال، وانسحاب أمريكا، والمضي قدما في المحادثات الأفغانية، وإقامة نظام جديد كما يريده الشعب الأفغاني، ثم بعد ذلك سيقدم المجتمع الدولي مساعداته لأفغانستان.

ثم إن وصول وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) إلى الدوحة وتأكيده على تنفيذ الاتفاق، أثبت أن اتفاق الدوحة لا يلغى بتغيير الرئيس الأمريكي، وأنها مسألة لا تقتصر على أفراد، ومن هذا يمكننا القول بأن الآمال الجوفاء لسلطات كابول ليست إلا كتمسك الغريق بالزبد.

سرك: سيد فرهاد! نشكركم على تلبيتكم للحوار.

موسى فرهاد: أشكركم كذلك، ودمتم موفقين.

انتهى ….!