الملا محمد عمر مجاهد أيقونة الغيرة والعظمة

الكاتب: انس حقاني

المترجم: ناصري

اليوم هو الرابع عشر من شهر ثور لعام 1400 هـ ش الموافق لـ (24/4/2021م)، وهو يصادف الذكرى الثامنة لالتحاق الروح الطاهرة لأمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد – رحمه الله – بالرفيق الأعلى.

ففي مثل هذا اليوم قبل ثماني سنوات سلَّم المغفور له – بإذن الله – روحه لبارئها عصراً في غرفة طينية بمديرية سيوري بولاية زابل جنوب أفغانستان. لقد كان الملا عمر أميراً للمؤمنين حقاً في القرن الواحد العشرين.

فقد منحه الله تعالى تقوى، وروحانية وتوكلاً فريداً. وقاد جهاداً وكفاحاً لمدة ثلاثة عشرة سنة بإيمان راسخ من بيت طيني بسيط ضد أعتى قوة عسكرية في العالم وعساكر بلاد حلف الناتو المدججين بأفتك الأسلحة وأكثر التجهيزات تطوراً.

هذا النوع من الزعامة لا يستطيع أحد القيام بها إلا شخص يكون له صلة وتعهد خاصين بربه سبحانه وتعالى، كالملا محمد عمر مجاهد، وأن يكون مستعداً للتضحية بماله وولده ونفسه وجميع ما يملكه.

إن الزعيم المغفور له بإذن الله ردّ على التكنالوجية البشرية في القرن الواحد والعشرين بروحانيته وإيمانه وتقواه، ولم ينح رأسه للقوة العالمية، وسجل مكانته الدينية والوطنية وعظمته في صفحات التاريخ بسطور من الذهب، وترك للأجيال القادمة دورساً في الكفاح والإيثار والمروءة.

وستمضي القرون وكتّاب التاريخ سيتعبون في كتابة سجله الحافل بالبطولات؛ لكن ذلك السجل لا يفقد بريقه ولمعانه. إن وفاء ومروءة الملا محمد عمر مجاهد يقدرهما كل مسلم، بل وكل إنسان مقدر للقيم وطالب للحرية.

بمناسبة ذكرى وفاة الملا محمد عمر مجاهد رحمه الله، اريد أن أضع بين يدي القراء الكرام خاصرة لوالدي العزيز المرحوم – بإذن الله – الحاج مولوي جلال الدين حقاني:

يروي والدي رحمه الله بأن خصال عدة كانت تعجبني في الملا محمد عمر رحمه الله ، أحدها الغيرة، فكان إنساناً غيوراً جداً، وكانت غيرته سبباً أساسياً لبيعتي معه.

كانت الليالي الأولى للغزو الأمريكي، ومقاتلات بي 52 الأمريكية تحلق في سماء العاصمة كابل القاتم، وتمطر القنابل الضخمة على قاطني كابل المدنيين.

كانت مدينة كابل في حالة إخلاء، وأعضاء الحكومة تجمعوا أولاً في لوجر ثم في مدينة جرديز مركز ولاية بكيتا الجنوبية لاتخاذ القرار حول ماذا يجب فعله، كنت أصر على ألا نترك مدينة كابل، وإذا كنا ننسحب من كابل فيجب التمركز في مديرية تشهار آسياب لمواجهة العدو؛ لكن بعض الزملاء كانوا يرون أن المقاومة غير ممكنة،

وجرى بيننا بحث ونقاش مستفيضان، ولم أقبل كلامهم، وقلت لهم هل هذا رأيكم أم هو رأي أمير المؤمنين؟ فأجابوا : بأن هذا رأينا. فقلت لهم: لن أقبل رأيكم ما لم يأت حكم من أمير المؤمنين.

حُوِّل الأمر كله إلى الملا محمد عمر، وتم تعيين وقت العصر بأن سماحته سيدخل على الخط من خلال اللاسلكي الكبير، وسيصدر الحكم الأخير لنا. فليستعد جميع المسؤولين. في هذه الأثناء قلت في نفسي: أيها الأمير! إنني بايعتك بسبب الغيرة، فاليوم يوم امتحان غيرتك. وإنني لأترقب غيرتك.

كان الجميع ينتظر بأن سماحته سيكون على الخط من خلال اللاسلكي الخاص وسيصدر الأمر الأخير. فحين دخل سماحته على خط اللاسكلي الكبير، كانت هناك أصوات أخرى، ويبدوا غالباً أن المخالفينن أيضاً قد دخلوا في الخط. ثم دخل الملا محمد عمر من خلال رقم لاسلكي آخر، وبعد الحمد والثناء أمر الجميع بأن يقاتلوا إلى الرمق الأخير، وألا يضع أحد سلاحه، ولا يتراجع عن الجهاد، وأنها أفضل فريضة.

ضحك والدي العزيز وهو يسرد الحكاية وأضاف قائلاً: إنني حمدت الله عز وجل وجددت عهدي مع ربي جل وعلا، بأن الملا محمد عمر مجاهد كان أميري وسيظل أميري في المستقبل، وإنني لأعتز دائماً بغيرته.

هذه قصة والدي مع المرحوم – باذن الله – أمير المؤمنين رحمه الله في برهة تاريخية للبلد الحبيب. وكان نصيحة الوالد رحمه الله للجميع إلى آخر لحظات عمره بأن يطيعوا أمير المؤمنين رحمه الله تعالى ما دام لم يترك سبيل الكفاح والجهاد في سبيل الله.

نور الله قبري ذاك العبدين الغيورين المتوكلين بالله. فلم يُسمع منهما كلمة ضعف حتى في

أشد اللحظات وأصعبها، لقد كانا أيقونتا الغيرة.

لقد انزلقت أقدام كثير من الناس، فخدعوا بالتكنالوجيا الحديثة، وزعموا القتال الدائر مع أعتى قولة في العالم غير مكن؛ لكن اليوم بفضل هذا الجهاد تتعامل هذه القوة العالمية معنا بدرجة عالية من الدبلوماسية لم تكن تتعامل معنا بها أيام حكومتنا الرسمية.

إن هذا كله دليل على فراسة وإيمان وتقوى وغِيرة ذلك الأمير المعظم الذي تنبأ بهذه الأيام. إن كلام القائد المغوار لم يكن قابلاً للتصديق عند الكثيرين آنذاك، لكن اليوم يصدقه الكثير.

رحمهم الله.