هل تمسح أوكرانيا هزيمة الغرب في أفغانستان

د ـ أحمد موفق زيدان

 

كما وحّد الغزو السوفياتي لأفغانستان  الغرب أواخر عام 1979، يبدو أنه قد وحّده يوم 24/2 بغزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، فاستطاع الغرب أن يمسح بطريقة أو بأخرى هزيمته الإيديولوجية والعسكرية في أفغانستان. لقد أتى غزو بوتين لأوكرانيا ليشدّ عصب الغرب جميعاً، فتقاطر جميعه، حتى دوله التي ظلت محادية لعقود مثل سويسرا وفنلدا وغيرهما، لتفرض كلها عقوبات على الغازي الروسي، فكان موقفها موحداً عنيفاً ضد الغزو، الأمر الذي أثار تساؤلات كبيرة عن سرّ هذا التوافق الغربي الفجائي تجاه الغزو، بعد أن بدا مشتتاً ومفرقاً عشية الغزو الروسي لأوكرانيا، فأعطى بذلك تطمينات خلبية خادعة لموسكو، وأغراها أكثر في أن تمضي بقرار غزوها دون أن تحسب له تلك العواقب الوخيمة التي تنتظرها اليوم على ما يبدو.

لأيام قليلة قبل غزو بوتين أوكرانيا، كانت مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الغربية تعج بالأخبار والتحليلات عن تداعيات الهزيمة العسكرية الغربية في كابول، والانسحاب الفوضوي الذي صاحب الهزيمة الغربية المدوية في أفغانستان بعد عشرين عاماً من الحرب الهمجية الوحشية المشنونة على الشعب الأفغاني، وبروز مشاكل بين أستراليا وفرنسا، وبين الأخيرة ودول الاتحاد الأوربي.

وكما كان غزو موسكو لأفغانستان عام 1979 عاملاً لوحدة الغرب العلنية الظاهرية ضد موسكو نجد اليوم نفس الغازي سبباً في وحدة الغرب وشدّ عصب التماسك والتوحد فيما بينه، فروسيا بالعقيدة العسكرية والقومية الغربية عدو حقيقي ومهدد للأمن الغربي، بينما الصين لا تزال في العقيدة العسكرية والقومية الغربية في عداد المنافسين لا الأعداء، مما قد يفسر تباين القوى الغربية في طريقة التعاطي مع الصين، واجتماعها كلها على الرد العنيف والقوي والسريع ضد الغزو السوفياتي في أوكرانيا.

لعل الحديث الذي أورده صحيح مسلم يفسر لنا طريقة الإفاقة الغربية، بعد هزيمته في  أفغانستان، وسرعة معالجة ذيول انكساره وهزيمته. ففي صحيح مسلم وغيره عن موسى بن علي عن أبيه قال: قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس فقال له عمرو أبصر ما تقول، قال أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرَّة بعد فرَّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك».

مثل هذا الحديث يفسر سرعة تحرّك الغرب لغسل ما لحق به في أفغانستان، فكان أسرع إفاقة مما تخيله الكثيرون، فلم يمض أشهر على هذه الهزيمة حتى استطاع حشد نفسه، وشد عصبه، ليفرض نفسه مجدداً كمايسترو أساسي للعالم ولحروبه ومآسيه، وأن العالم كله يترقب تحركاته وخطواته.

الغرب بشكل عام، وأوربا بشكل خاص لا تتسامح مع وجود حريق في داخلها، ولذا فقد تحركت بسرعة في البوسنة والهرسك، فوقفت إلى جانب المسلمين ضد الصرب، وذلك خشية من أن تمتد الحرب إلى دولها، لاسيما وأنها ترى في  روسيا كمتربص بها، فتستفيد من تلك المعارك في إشعال حرب داخل أوربا، وهو ما تخشاه الأخيرة اليوم من الحرب في أوكرانيا، ولذا كان التحرك الأوربي والغربي عاجلاً وسريعاً، فكان دعمه فغير مسبوق لأوكرانيا وبكافة أنواع الأسلحة المتطورة، وحتى بفرض العقوبات الاقتصادية القاسية غير المسبوقة على روسيا.

لقد وجدنا كيف سارع الغرب كله، حتى الدول التي ظلت محايدة لعقود كسويسرا إلى إرسال الأسلحة والذخائر، وتقديم الدعم الاستخباراتي والمالي الضخم لأوكرانيا في مواجهتها مع روسيا، بينما لم يتقدم الغرب لدعم المجاهدين الأفغان في الثمانينيات بصواريخ نوعية كستينغر إلاّ بعد ست سنوات تقريباً على اندلاع الحرب، وهو ما عززه تصريحات إعلاميين غربيين كثر  بعنصريتهم التي تفضل بين الغربيين والشرق الأوسطيين، لكن بالمقابل فإن أفغانستان التي كانت عشية الغزو السوفياتي لأفغانستان يحكمها نظام شيوعي وبجانبه حزب شيوعي قوي، ورغم ذلك كله فلم تتمكن من إخضاع الشعب الأفغاني، مما يجعل الوضع أشد صعوبة على روسيا في ظل تضامن نظام أوكرانيا مع الشعب الكاره لروسيا، يغذيه عقيدة قومية كارهة للروسي.

اللافت أن عشاق الحرية الأفغان الذين التحق بهم المقاتلين العرب والمسلمين من كل مكان، هم أنفسهم الذين تحوّلوا لإرهابيين بنظر الغرب بعد أن انتهى تقاطع مصالحه معهم، أما اليوم فالإعلام الغربي يشيد على مدار الساعة بالمرتزقة المتطوعين الذين هبوا استجابة لنداء الرئيس الأوكراني في استقبال كل المتطوعين ومن كل الجنسيات للقتال في صفوفه ضد القوات الروسية، وهو ما دعمه وسانده رئيس الوزراء البريطاني ووزير خارجيته ومسؤلون غربيون كثر، وأعلن رسمياً عن تشكيل الفيلق الدولي لهذا الغرض.

لكن سيظل أن المجاهدين الأفغان هم أول من تجرأ على قوة عظمى كروسيا، لم يدعمهم الغرب بشكل حقيقي إلاّ بعد سنوات على انفرادهم بمواجهة الدب الروسي، أما في مواجهة الأفغان مع أمريكا فلم يكن أحد معهم، بل كانت 38 دولة ضدهم، ومع هذا كان النصر حليفهم، الفارق أن المواجهة مع روسيا استغرقت عقداً، بينما المواجهة مع الغرب بقيادة أمريكا استغرقت ضعف المدة.