اللصوص الأقوياء

غلام الله الهلمندي

 

وقّع الرئيس الأميركي، جو بايدن يوم 11 فبراير/شباط أمرا تنفيذيا يسمح للولايات المتحدة بالتصرف بسبعة ميليارت دولار من الأرصدة الأفغانية المجمدة لدى البنوك الأميركية، وأصدر أمرا بتخصيص 3.5 مليار دولار منها لتعويض أسَر ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وبإنفاق النصف الآخر في المساعدات الأفغانية، بصورة لا يقع فيها المبلغ بيد الإمارة الإسلامية، علما بأنها الحكومة المسيطرة على كامل أراضي أفغانستان بلا منازع، الحكومة الموحِّدة للأراضي الأفغانية وللشعب الأفغاني تحت راية واحدة بعد أربعين عاما من الاختلاف والتفرق والتحزب والتمزق والحروب والصراعات.

 

وبمقتضى ذلك الأمر التعسفي يتصرفون في أموال الشعب الأفغاني الفقير الذي يفتقد إلى لقمة تسد رمقه، وإلى خرقة تقيه البرد القارس. يتصرفون فيها بأسلوبهم الخاص، بالأسلوب الأميركي القذر وبطريقة استفزازية. يتصرفون فيها كما يشاؤون، بينما تشهد أفغانستان أزمة إنسانية خطيرة. وهذا التصرف -بلا أدنى شك- سرقة علنية تصطدم مع الإنسانية والضمير البشري، وهو تصرف جبان، تصرف هو أقرب إلى تصرفات عصابة منها إلى تصرفات دولة. أليست هذه قرصنة وسرقة علنية على مرأى ومسمع من العالَم كله؟ أليس هذا قتلا جماعيا يرتكبه القراصنة بحق الشعب الأفغاني الحر؟ وهل يمكن لدولة أن تصادر أموال دولة أخرى بل أموال شعب آخر في وضح النهار؟ إنها أموال تخص الشعب الأفغاني، أموال كسبها شعبنا الفقير بعرق جبينه، أليس هذا  قرارا تعسفيا على مرأى ومسمع من العالَم الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان كذبا وزورا؟

وهذا الصمت الرهيب والمخجل من المجتمع الدولي والمؤسسات التي تعنى بحقوق الإنسان يشجعهم على التمادي في ارتكاب المزيد من السرقات والعدوان ضد حقوق الإنسان، الأمر الذي يعدّ اشتراكا في الجريمة.

 

إن هذه السرقة بلا أدنى شك تكشف حقيقة ضعف أمريكا، وتكشف للعالَم حقيقية انحطاط أخلاقها، وانحطاط حضارتها وثقافتها، وهذا يعني أن الأمريكان لا يهمهم الأخلاق والمبادئ والحقوق والإنسانية، ومن الغريب أنهم يحدثون أكثر من أي شعب آخر عن القيم والمبادئ وحقوق الإنسان! ولعل نهب أموال الناس وتجويعهم يُعدُّ من حقوقهم في دينهم!

ولا يسألهم أحد: مَن يعوّض عوائل الأفغان؟ (ويلكم) ومن يعوض ضحايا إرهابكم خلال العشرين سنة الماضية، الضحايا الذين قتلتموهم وقصفتموهم ومزقتموهم إربا إربا ومن غير وجه حق، الضحايا الذين أحرقتموهم وسجنتموهم وهجرتموهم ويتَّمتموهم ظلما وعدوانا، والذين يبلغ عددهم مئات الآلاف؟ وهل دماؤكم أغلى من دمائنا؟ وهل دماؤكم أكثر حرمة وقداسة وقيمة من دمائنا؟ أهلكتم الحرث والنسل ولم يسألكم أحد: لِمَ؟

خلال احتلالكم لبلادنا قتلتم شعبنا بالقصف والدمار، وتقتلونه الآن بالتجويع والحصار، ما أصغر نفوسكم! وما أخس أقداركم! وما علاقة الشعب الأفغاني أصلاً بتفجيرات 11 سبتمبر؟ وهل الشعب الأفغاني هو من قام بتفجيرات 11 سبتمبر حتى تعاقبوه، لم يكن لهذا الشعب يدٌ فيها ولم يكن له علم بها.

أهذه عدالتكم التي طالما بُحَّتْ أصواتكم من كثرة التفاخر بها؟ ألا تدّعون الدفاع عن مبادئ العدل والإنسانية والدفاعَ عن حقوق الأطفال، والقلقَ بشأن زيادة الجوع وسوءالتغذية بين الأطفال؟ ألا تدعون الدفاع عن حقوق النساء؟ أو لم يعد هناك طفل ولا امرأة في أفغانستان؟ أهذه حقوق الإنسان التي صدعتم رؤوسنا بترديدها؟ أهذه حضارتكم التي تتفاخرون بها وتحاولون إهداءها لشعوب العالَم؟ أهذه ثقافتكم التي تتميزون بها عن بقية الشعوب؟

 

إنها أكبر سرقة مقننة. إنها الوقاحة في أبشع صورها، قمة الوقاحة، وقاحة ليس لها حدود. إنها السرقة بأقبح صورها. لا نعتقد أن هناك أناسا أكثر وقاحة من الأميركيين. إنه عار في جبينكم دولةً وشعبًا، عار يلاحقكم، إنه عار لا يليق إلا بالأنذال، وهم أنتم. إن هذا التصرف خليط من الحقارة والنذالة والضعف والجبن والقرصنة، وهي الهوية الحقيقية للحكومة الأميركية والشعب الأميركي الذي يصوّت لصالح هذه الحكومة. إنها جريمة تضاف إلى سجل حافل بالجرائم، مليء بسفك الدماء، وقتل الأبرياء ونهب الأموال، وانتهاك الحرمات. ولكن لا بأس فالظلم لن يدوم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، سيدفعون الثمن باهظا بإذن الله.

إنهم قطاع طرق، ولصوص لئام، لأن اللص الشريف (إن كان هناك لصوص شرفاء وغير شرفاء) لا يسرق الفقير. إنهم لصوص ولكنهم لصوص مثقفون، واللصوص المثقفون لا يتم ملاحقتهم ومعاقبتهم، ولا يوجد في القانون الدولي نصٌّ يُعاقَب هؤلاء اللصوص المثقفون بمقتضاه، ولكن يوجد فيه طبعا نص يعاقب فقيرا سرق رغيف خبز ليقيم صلبه، ما أقبح هذا القانون! وما أقبح هذه الحضارة! نظام غير محترم وشعب غير شريف، فإن المحترم لا يسرق الفقراء، وإن الشريف لا يظلم المستضعفين. لصوص حقيقيون ولكن بطريقة حديثة راقية، يعني أنها سرقة تحت ظل القانون، ولكن قانون الغاب الذي يؤمن به الأمريكان، وهل تثق بعد هذه القرصنة العلنية دولةٌ بأميركا؟ وهل تودع أموالها وأموال شعبها لدى البنوك الأميركية؟ لعل الذين يستثمرون أموالهم لدى البنوك الأميركية يعيدون النظر فيها، ومَن يودع أموله في بنوكهم مَثَلُه كمثل راعٍ يأتمن الذئب على خرافه.