تجميد الأصول المالية للشعب الأفغاني مخالفٌ لجميع الأصول

د. محمد نعيم (المتحدث باسم المكتب السياسي للإمارة الإسلامية في قطر)

 

لم تتمّ إدانة تجميد الأصول المالية للشعب الأفغاني من قبل الإمارة الإسلامية والشعب الأفغاني فقط، بل من قبل غالبية سكان المعمورة، والدول الإسلامية، وغير الإسلامية ولا سيما الدول الكبرى في العالم، والأمم المتحدة، والجمعيات والمنظمات الإسلامية والحقوقية، بل الشعب الأمريكي والعقلاء من ساسته أيضا أدانوا هذا الصنيع.

وبناء على ذلك يمكننا القول بأنّ هناك إجماعا عالَميّا وإنسانيّا على إدانة هذا العمل المشين.

و هذا الإجماع في الحقيقة موافق للواقع والعقل والمنطق من عدة جهات:

1 – أنّ هذه الأصول المالية ملكٌ للشعب الأفغاني، ملكٌ للنساء والأطفال وكبار السنّ والفقراء والمساكين، ملكٌ لشعب ذاق أربعين سنة ويلات الحرب ومرارتها، نعم إنها على الإطلاق ليست ملكا لفرد أو جهة ما.

2 – إن أحداث 11 سبتمبر ليس للشعب الأفغاني دخلٌ فيها إطلاقا، فما ذنب النساء والأطفال والفقراء والمساكين من الشعب الأفغاني أن يجوعوا؟ فهل من المعقول أن تُجوّع النساء والأطفال وكبار السن ويعذب المرضى في المستشفيات على قضية لم يكن لهم دخل فيها أصلا!

3 – بدلا من أن يُساند الشعب الأفغاني المكلوم، وتُمدّ إليه يد العون والمساعدة؛ للأسف يُجوّع، ويُعطّش من قبل من يدّعي حقوق الإنسان، وحقوق النساء والأطفال! وكلّ هذا في الحقيقة ينسف تلك الدعوات الفارغة والشعارات الجوفاء التي يحاول البعض الوصول من خلالها إلى أغراض سياسية ومبهمة.

4 – نعم لا شك في أنّ تجميد الأصول المالية للشعب الأفغاني من قبل الإدارة الأمريكية أضرّ بالنساء والأطفال وكبار السن والمرضى، ولكن في الطرف المقابل رفع الستار عن الحقيقة المخفية وراء تلك الشعارات والنعرات المزوّرة والمزيفة.

الخلاصة أن الشعب الأفغاني كما صمد عشرات السنين تجاه الهجمات الظالمة المختلفة، وقد ضحّى بكلّ غال ورخيص في سبيل الحق والدفاع عن الحق، سيصمد في المستقبل أيضا، ولن يستسلم للضغوط والإملاءات، وكما انتصر سينتصر إن شاء الله.

جدير بالذكر أن القيام بهذا العمل قد أضرّ بسمعة الولايات المتحدة أكثر مما أضرّ بالشعب الأفغاني، حيث الضرر الذي لحق بنساء وأطفال وكبار السن والمرضى والفقراء والمساكين في أفغانستان، هو ضرر مادي وسينتهي أو يعوّض يوما مّا، أما ما لحق بالولايات المتحدة جراء هذه الخطوة غير الموفقة، ضرر معنوي وتاريخي وأخلاقي، وأنه يبقى أبد الدهر، وأن أجيال الشعب الأمريكي لا محالة سيعانون روحيا من قرارات ساستهم التي يتخذونها اليوم، ومن الواضح بأن الشعب الأمريكي لا يريد ولا يمكنه تحمل هذا الضرر جيلا بعد جيل عبر التاريخ.

ومن المستغرب التناقض في موقف الإدارة الأمريكية، فمن ناحية تقدم مساعدات للشعب الأفغاني، ومن ناحية أخرى تجمّد أصوله المالية، بل وتتصرف فيها! وهذا كمن يصد الناس عن الماء لهم، ثم يوزع بنفسه عليهم بعض الماء القليل في الكؤوس.

ومما يجعل الكثيرين يتساءلون هو أنه من ناحية يُتهم البعض بعدم الاستماع إلى نداء الملل المتحدة والاحترام لأصولها، ومن ناحية أخرى هم بأنفسهم لا يسمعون أو لا يستمعون لا إلى نداء الملل المتحدة فحسب، بل إلى نداء دول العالم والشعوب والمنظمات بالإفراج عن الأصول المالية المجمدة للشعب الأفغاني.

نعم هناك بعض الخطوات الإيجابية التي اتخذتها الولايات المتحدة في الأونة الأخيرة – وهي جديرة بالتقدير – والتي ساعدت وستساعد في تحسين صورتها وسمعتها إلى حد ما، وهي رفع العقوبات عن المعاملات المالية والاقتصادية مع أفغانستان، وهذا في الحقيقة يشير إلى أن هناك استعدادا لفهم الحقائق الأرضية وقبول بعض الحق من قبل الإدارة الأمريكية.

نحن نتوقّع أن نرى هناك خطوات إيجابية أخرى تساعد في حل المشكلات والأزمات الموجودة في أفغانستان، ولا شك في أن الحل الأمثل للمشكلات هو فهم الواقع والتعامل معه بمسؤولية، وما لا يخفى على أحد أن الإمارة الإسلامية هي الجهة الوحيدة الممثلة للشعب الأفغاني والمسيطرة سيطرة كاملة على جميع ربوع البلاد، والتي وفّرت الأمن والأمان للشعب والبلد، وتسعى جاهدة لحل المشكلات الخارجية والداخلية المتبقية.

نحن متفائلون بأن نرى حلا للمشكلات قريبا وليس بعيدا، إن شاء الله، وما ذلك على الله بعزيز.