بعد هزيمتها في أفغانستان..أمريكا تقود العالم إلى الفوضى الشاملة

بقلم : مصطفى حامد (أبوالوليد المصري)

 

مرة أخرى فعلتها أفغانستان وأسقطت بجهادها نظاماً دولياً طاغوتياً. فعندما هُزم الجيش الأحمر السوفيتي في أفغانستان سقط الاتحاد السوفييتي وسقط النظام الدولي القائم على قطبين دوليين.

كان من المفروض أن تسقط الكتلة الاستعمارية الرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة، فهيَ جزء من النظام الدولي الذي سقط بانتصار الأفغان وانهيار الكتلة الشيوعية وذراعها العسكري المسمى حلف وارسو. ولكن الولايات المتحدة استكبرت وتصرفت خلاف الحقائق، وادعت أنها أقامت نظاماً عالمياً جديداً أحادي القطبية، ذراعه العسكري هو حلف الناتو الذي يضم معها دول أروبا الغربيه.

– حلف الناتو معبراً عن قيادته الاستعمارية الأمريكية قال فور رحيل السوفيت من أفغانستان: (لقد انتصرنا في هذا القرن على عدوين خطيرين، هما النازية والشيوعية، وتبقّى أمامنا عدو واحد هو الإسلام). صرح بذلك سكرتير الحلف. وقد كان صادقاً بدرجة كبيرة وكاذباً بنفس الدرجة.

كان صادقاً بقوله إن الإسلام هو عدو حلف الناتو والنظام الدولي الجديد. وكان كاذباً بقوله أن الغرب قد هزم النازية والشيوعية. فتلك إحدى أكاذيبهم الكبرى. فالذي هزم النازية عسكرياً كان الاتحاد السوفيتي، الذي تحمل معظم أعباء الحرب العالمية الثانية وخسائرها، وحقق انتصاراتها الرئيسية التي لولاها لكان هتلر يحكم العالم الآن.

أما الذي هزم الاتحاد السوفييتي فهم المجاهدون الأفغان الذين حققوا إعجازاً كبيراً بدحر الجيش الأحمر في حرب استمرّت حوالي عقد من الزمان، دفع فيها الأفغان أرواح حوالي مليونين من مواطنيهم. ولم تكلف هذه الحرب أمريكا إلا حوالي ثلاثة مليارات دولار دفعتها السعودية.

والأموال الفاعلة التي أفادت الجهاد كان معظمها من أموال المتبرعين المسلمين. أما حلف الناتو الذي تأسس عام (1949) فإنه أنفق عشرات المليارات خلال السنوات الأربعين التي انقضت قبل سقوط الاتحاد السوفييتي، بدون أن يطلق طلقة واحدة على الجيش الأحمر أو حلف وارسو.

– الحضارة الأوربية حكمت العالم أكثر من أربعة قرون، معتمدين على الخداع والوحشية ونهب شعوب العالم (غير المتحضر)، والسيطرة عليهم.

– ما يحدث الآن من أزمة عالمية في أوكرانيا، فضح حقيقة أن العالم لا يحكمه أي نظام، وأن ما يسمونه نظاماً دولياً فما هو إلا أسلوب لإدارة الفوضى وإشاعتها في العالم. والتأسيس لحروب لا تنتهي ولا يمكن وقفها بين عناصر الجنس البشري، وليس فقط الأنظمة السياسية.

– إنه نظام هدم المعبد على رؤوس البشرية جميعا، بحيث لا ينجو إلا المُرابي اليهودي الجالس خلف صندوق العملة على باب المعبد. وهو في حالنا الراهن المُرابي اليهودي ونظامه المالي الدولي، الساعي نحو الفوضى العالمية، كما هو واضح في الأزمة الأوكرانية، وما تحمله من نُذُرْ تهدد البشرية.

– دخلت أمريكا حرب أفغانستان في بداية عصر الفوضى وهي تَدَّعي أنها تقيم نظاماً دولياً جديداً أحادي القطبية.

ولكن المجاهدين الأفغان كشفوا الأكذوبة، وتبين مدى ضعف البنيان الأمريكي وتهافته، ليس فقط أخلاقيا ولكن أيضا إداريا وساسيا وعسكريا.

 

تجليات الفشل الأمريكي في حرب أفغانستان

أولاً: تكنولوجيا السلاح وتأثيراته النفسية

فشلت أمريكا في هزيمة الشعب الأفغاني باستخدام عنصر الرعب والتهويل العسكري.

فقد استخدمت أفضل ما لديها من أسلحة مدمرة، لم تستخدم في أي حرب مضت. منها قنابل يورانيم منضب أوغير منضب، وصواريخ يزن الواحد منها حوالي عشرة أطنان، وقنابل ارتجاجية تسببت في حدوث زلازل في أفغانستان ودول محيطة بها. إضافة إلى استخدام أشعة الليزر في التوجيه الدقيق للمقذوفات، والتوسع الكبير في استخدام الطائرات بدون طيار في اغتيال عدد لا يحصى من المجاهدين ورجال القبائل على جانبي الحدود، والمهاجرين من بلاد العرب وآسيا الوسطى.

 

ثانياً: سياسة الإبادة والإفساد

لم يشاهد الأفغان خلال حربهم ضد الجيش الأحمر السوفييتي مثل هذه القدرة التدميرية الهائلة التي أظهرها السلاح الأمريكي، الذي تمتّع أيضًا بالدقة العالية. وشاهد القرويون بيوتهم الطينية الضخمة، التي يسمونها قلاعاً، بعد غارات الطيران، وقد اختفت تماماً من على سطح الأرض ولم يتبق منها غير حفرة هائلة الحجم وبلا أنقاض، وكأنها تبخرت تماماً.

– تأثير الاغتيالات الجوية بطائرات بدون طيار(الدرونز) كان صادما ومخيفا. فالطائرات تراقب وترصد طوال الوقت. والضربات الصاروخيه تأتي فجأة وبدقة، والعدو لا يظهر. حتى الطائرات نفسها من الصعب رصدها.

– سياسة استهداف المدنيين كانت أساسية في تلك الحرب.

بل كانت عنصراً ثابتاً في الاستراتيجية العسكرية، التي تغيَّرت عدة مرات خلال الحرب. وظل قتل المدنيين موضوعاً أساسياً في تدريب مجموعات تديرها استخبارات الاحتلال. وتستخدم نفس التكتيكات والأساليب التي ابتكرها الأمريكان لإبادة المدنيين وإرعابهم وتحطيم معنوياتهم ورغبتهم في المقاومة.

– معظم تلك المجموعات حتى التي يشرف عليها الأمريكان رسمياً لم تلبس أن جرفتها منظومة الفساد التي ضربت كل شيء في أفغانستان، من الجيش إلى الاستخبارات إلى الإدارات الحكومية إلى الحياة المدنية إلى الإعلام والثقافة. واستحكم الفساد بحيث أصبح من المستحيل تقريباً أداء أي شيء لصالح المواطن بدون الخوض في غمار مستنقعات الفساد الذي أصبح مثل الهواء الفاسد الذي يتنفسه الجميع.

 

ثالثاً: الفساد كلمة السر في سقوط النظام الحاكم

الفساد كان العامل الأكثر خطورة، وكلمة السر في سقوط الاحتلال والنظام الحاكم.

الفساد لم يكن ظاهرة خاصة بالمسرح الأفغاني كميدان حرب أمريكي، بل هو في الحقيقة عماد النظام الدولي كله، خاصة النظام الاقتصادي والسياسي. وطبيعي أن يطال الفساد مجالات الإعلام والفكر والأخلاق.

 

رابعاً: الفساد فلسفة الحرب والسلام الدولي

الفساد كان هو هدف الحرب، ولأجله دخلت الولايات المتحدة إلى أفغانستان وهدفها الأول كان الاستيلاء على الأفيون وتحويله إلى مسحوق الهيروين، ثم توزيعه دولياً.

واستخدمت قواتها العسكرية لتحقيق ذلك الهدف.

– وشهدت زراعة الأفيون انتعاشاً هائلاً، وكانت الإمارة قد أوقفت زراعته.

– كما زاد إنتاج اليهروين في أفغانستان أربعين ضعفاً خلال السنوات الخمس الأولى للاحتلال.

ولكن مكاسب المخدرات أفسدت الجيش والمخابرات الأمريكية. وأشعلت بينهما نزاعاً على صلاحية إدارة الحرب.

وعمل كبار جنرالات الاحتلال والدولة كتجار مخدرات مستقلين، يسيئون الاستفادة من إمكانيات وضِعَت تحت أيديهم لأجل الحرب، فتحولت إلى إمكانيات غير عاديه لتجارة المخدرات.

– حدث نفس الشيء في مجال العمل الارتزاقي للشركات الأجنبية (المتعاقدون) والمليشبات المحلية. وبما أن الجشع ليس له حدود، فقد امتدت الأطماع إلى تجارة السلاح. فمارسوا تلك التجارة على المستوى العالمي انطلاقاً من أفغانستان التي أصبحت مخزناً للسلاح الأمريكي وأكبر سوق غير شرعي للاتجار به.

– صناعة غسيل الأموال لا تقل أرباحاً عن تجارة المخدرات بل هي وجهها الآخر الأكثر ربحاً والأوسع انتشاراً وتأثيراً في نشاط المشاريع العظمى على امتداد العالم.

– شركات المرتزقة كانت مجالاً آخر للفساد الذي اتخذ أبعاداً دولية تغطي أروبا والشرق الأوسط وأماكن أخرى غير متوقعة منها الولايات المتحدة التي جَلَبَت عدداً كبيراً من تلك المجموعات ذات الأداء الإجرامي في حرب أفغانستان، استعدادا لحرب أهلية انفصالية متوقعة داخل الولايات المتحدة.

 

الفساد والسياسة الدولية

استخدمت أمريكا العائدات الخيالية للفساد الذي انفجر في أفغانستان، على الشكل الذي ذكرناه من تجارة مخدرات وأسلحة ومرتزقة وغسيل أموال. فاستخدمت جزءاً منه في دفع رشاوي لشراء مواقف سياسية وجذب حلفاء واستيراد “قوات حليفة” للقتال إلى جانبها في أفغانستان.

وفي شراء نجوم الإعلام والإفتاء الديني، والفن، والرياضة، والسياسيين وقادة الرأي العام والكُتَّاب والمثقفين.

– تلك الماكينة الهائلة لصناعة الفساد تُستَخدم الآن على مستوى العالم من أجل تأجيج حرب أوكرانيا، التي لن تكون آخر الحروب، لأن الفساد على يد أمريكا والغرب لم يعد قضية أخلاقية، بل ضرورة اقتصادية تستلزم نشر الحروب والمخدرات وشركات المرتزقة والاتجار بالنساء والأطفال، من أجل زيادة تدفق الأرباح على بنوك اليهود.