وإنّا ليوم الشهادة لتُوّاق

صارم محمود – كابل

 

لم يكد يتوقف نزيف الجراح التي أصابتنا جرّاء مقتل العالم الربّاني، والمجاهد الكبير، العلّامة رحيم الله (تقبله الله)، حتى أصبنا بمقتل الشيخ الأنصاري العالم الفقيه، والخطيب المفوّه (تقبله الله) وزادنا وجعاً على فجعٍ، وترکنا على جمر الغضى نتلهب.

فما أكثر آلامنا وجراحنا يا الله! وما أكثر الطعنات التي تنزل على خاصرتنا الجريحة النازفة! وفي الحقيقة أن أتراحنا ظلّت أكثر من أفراحنا! وما من فرحة قمنا للاحتفال بها إلا وقد أجسلتنا مأساة نزلت علينا كصاعقة وأشدّ:

 

رماني الدهر بالأرزاء حتى       فؤادي في غشــاء من نبالِ

فصرت إذا أصابتني سهـام      تكسرت النصال على النصالِ

 

الشعب الأفغاني، وعلماءه، ومجاهدوه أقسموا بأن لا يتنازلوا عن التحكيم بشرع الله في أرضه، مهما بهض الثمن، فماداموا ثابتين على ميثاقهم هذا، وماداموا يناهضون العلمانيين، والملحدين، والروافض، والخوارج، على اللحية والعمامة والستر والحجاب؛ لا بدّ أن يدفعوا هذا الثمن الباهض، وهذه الضريبة العظيمة من الدم.

فهناك شعوب تنازلت عن الدين ظنّا منها أن تنازلَها عنه يعني الحريّة المطلقة، والهناء الدائم، وما دروا أن ضريبة الذل والعبودية هي أدهي وأمرّ (أرادوها جنّة فانقلبت جحيما) فأصبحوا يذوقون العلقم والصبر مرّتين، مرةّ حينما تنازلوا عن كرامتهم، ومرّة حينما أصبحوا عبيدا لغيرهم، لا يملكون من أمرهم شيئا، رخصاء أخِسّاء، أذلّاء أشقياء.

أصبحت الشعوب اليوم  بين طريقين اثنين لا ثالث لهما، إمّا أن يعيشوا أحرارا كما ولدتهم أمّهاتهم، وإما أن يعيشوا أذيالا وعبيدا، ولكلّ طريق مشقته وضرائبه.

نحن الشعب الأفغاني رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلّم رسولا ونبيّا، وبالقرآن منهج حياةٍ، وبالسيف طريقة عزّ، وبالتالي نعدّ التنازل عن هذه المبادئ موتا وعارا يلاحق صاحبه مادام حيّا يرزق.

ومن ثَمّ فإنّا لقومٌ لا نرى القتل سُبّة، بل نعدّه مفخرة، ووسام عزّ يناله القتيل في سبيل الله. وإنّا لَنرى هذه الحياة عقيدة وجهادا، وصراعا طويلا مع أعدائنا.

فعلماؤنا هم الذين رسموا لنا هذا الطريق، وهم أكثر إصراراً على المضيّ قدما في هذا الدرب الشائك، فما مات منّا عالم إلا وقد قام عالم يسلك طريقه في إصرار أشدّ وعزمٍ لا يلين.

 

فالشيخ الأنصاري -تقبله الله- كان من هؤلاء الرجال (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا).

فعاهد الله على أن يثبت على دينه، وأن يدافع عنه، وأن ينشره بين خلقه، وأن لا يخاف فيه لومة لائم، ولا سباب شاتم، ولا عتاب عاتب، فصدق الله وصدّقه الله، وما بدّل وما تبدّل حتى اختاره الله شهيدا وأعطاه هذه المفخرة ووسام العزّ والشرف فهنيئا له الشهادة ويا لها من شهادة (فخير قتيل قتيلهم).

وإنا على هذا الدرب الطويل، المفروش بالدماء والأشلاء راضون، فلا نلين ولا نستكين، حتى وإن قتلنا جميعا، بإذن الله.

وإنا ليوم الشهادة؛ يوم تنتهي فيه مهمّتنا، ونستريح من المتاعب والمصائب لتُوّاق.