ما صورة أفغانستان وحقيقة الغرب بعد عام من حكم طالبان؟

مثنى عبد الله – القدس العربي

 

قبل عام من الآن سحبت الولايات المتحدة الأمريكية قواتها من أفغانستان تطبيقا لاتفاق الدوحة، ودخل مقاتلو طالبان العاصمة كابل منتصرين وسط ذهول العالم، حيث لم يكن الانسحاب الأمريكي مُنظّما، بل كان هزيمة كاملة المعاني والأركان والأوصاف.

سارعت حركة طالبان لتثبيت نفسها كأمر واقع، فالدولة أُطلق عليها تسمية إمارة أفغانستان، على الرغم من تهديدات الغرب بعدم إطلاق هذا التسمية. والعلّم بات راية بيضاء تحوي عبارة دينية. ونظام حكم يتماشى وأحكام الشريعة الإسلامية. ولم تنس الحركة تجربتها السابقة في الحكم 1995 ـ 2001، فحرصت على إضفاء طابع الحداثة السياسية على نفسها، بدءا من أسلوب كلام الناطقين باسمها، وكذلك إبداء المرونة في خطابها السياسي والاجتماعي، ما أعطى انطباعا بأنها تسعى لتغيير ملامح صورتها السابقة لدى المُصرّين على التشكيك بها، التي ساهم الغرب مساهمة فعّالة في رسمها في أذهان الرأي العام لتشويه صورتها، بهدف إعطاء المبرر للاستمرار في احتلال أفغانستان.

وعلى الرغم من مرور عام على حكم الحركة، فإنّ الغرب ما زال يصر على شيطنتها، ويتباكى على الحريات العامة وحقوق النساء والفتيات، وهو سلوك ذرائعي للتهرب من الكارثة التي صنعها الأطلسي في الملف الأفغاني، بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجيوستراتيجية، ثم خرج منها مهزوما أخلاقيا وسياسيا وعسكريا وأيديولوجيا. فقد كشف انسحاب الولايات المتحدة والناتو من هذا البلد عن حقيقة مُرّة، قوامها أن الغرب وعلى مدى عشرين عاما لم يستطع إحداث أي تغيير في الواقع الأفغاني بكل جوانبه. فرغم مليارات الدولارات التي صُرفت في هذا البلد، مترافقة مع إمكانيات غربية متقدمة في شتى المجالات، فقد تبين أن لا تنمية تحققت، ولا حداثة أُنجزت، ولا ديمقراطية بُنيت، ولا مؤسسات دولة حقيقية أقيمت. والدليل على ذلك أن الجيش الذي درّبه وسلّحه حلف الاطلسي لم يستطع أن يقف بوجه مقاتلي الحركة لساعات. كما بان واضحا أن الأموال التي صُرفت كلها ذهبت إلى جيوب ساسة تابعين وفاسدين وقادة عسكريين فاشلين، عزلوا أنفسهم في قصور فارهة متنعمين بالحياة، بعيدا عن شعبهم الغارق في المأساة، لذلك رأى العالم كله كيف انهار كل شيء في لحظة واحدة، لمجرد أن الحاضنين الدوليين غادروا المكان.

إن الغرب المتباكي على الشعب الأفغاني عليه أن يواجه لحظة الحقيقة، لا أن يتهرب منها، كما عليه التوقف عن حملة التشنيع التي يشنها ضد حكومة طالبان، بدعوى أنها أغلقت بعض مدارس الفتيات وحرمتهن من التعليم، فإذا كانوا يريدون حقا مصلحة البلاد والعباد، وأن بواكيهم بدافع إنساني وليس سياسيا، فعليهم إطلاق أموال الدولة الأفغانية المحجوزة في البنوك الأمريكية، لأن حكومة طالبان لا يمكن أن تنفذ وعودها الاقتصادية والاجتماعية من دون موازنة، كما لا تستطيع فتح مدارس وصرف رواتب للقائمين على العملية التربوية، وبذلك يكون هذا الفعل الذي يمارسه الغرب ضد الشعب الافغاني جريمة بحق إنسانية هذا الشعب.

فالتقارير الدولية الصادرة حديثا تؤكد، أن نسبة الفقر في أفغانستان في العام الحالي 2022 هي 97 في المئة، وأن سوء التغدية يطال أكثر من مليوني طفل. وكل ذلك تعبير واضح عن ازدواجية الغرب ومعاييره اللاأخلاقية. هم أيضا يتذرعون بالقول إن تاريخ حركة طالبان لا يسمح بتهدئة مخاوفهم منها، لذلك هم لا يطلقون أموال الشعب الافغاني، كي لا تستغلها الحركة في العودة مجددا إلى سلوكها السياسي السابق، لكن السؤال ذي الحدين هو، لماذا إذن تفاوضوا على مدى عام ونصف العام معها من أجل عودتها إلى السلطة؟ وإذا كانت هذه هي حقيقة الغرب، فما حقيقة طالبان خلال عام من الحكم في أفغانستان؟

 

إن الحكم تجربة إنسانية تحوي الكثير من الخطأ والصواب، ولا توجد تجربة حكم دون عثرات كبيرة أو صغيرة، والتقييم المُنصف لحركة طالبان في الحكم خلال عام، يشير بوضوح إلى أنها حكومة دينية تحاول بناء مجتمع بأيديولوجيتها المذهبية وضمن أعرافها وتقاليدها، ويبدو أن هناك حالة من عدم الرضا بالنسبة للغرب، عن سلوكها تجاه المرأة والتمييز ما بينها وبين الرجل، لكن لا أحد يستطيع القول إن هذا رأي جميع أبناء الشعب الأفغاني أيضا، فهذا الشعب له تقاليده الخاصة وعاداته التي تميزه عن بقية الشعوب، لكن ما يُحسب لهذه الحكومة وعلى مدى عام، أنها قامت بإدماج حوالي 14 ألف امرأة في قطاع الصحة، 94 ألف امرأة في قطاع التعليم، ولديها أكثر من 800 ألف موظف تدفع رواتبهم بانتظام. كما أعادت بناء السدود والجسور، واستقطبت العديد من الشركات الروسية والهندية والصينية، للعمل والاستثمار في مجالات المعادن والنفط والطاقة، والإنجاز الأهم كان في الجانب الأمني، حيث القضاء التام على حالات الاختطاف والسرقة وقطاع الطرق وتجارة المخدرات والقتل، الذي كان يحدث بمعدل 300 شخص يوميا.

ويؤكد التقرير الأخير للأمم المتحدة انخفاض الحوادث الأمنية بنسبة 95 في المئة. ومع ذلك ما زالت هنالك هجمات يشنها تنظيم الدولة ولاية خراسان على بعض الأقليات، لكن يبدو أن الحكومة جادة في مواجهة هذا التنظيم بإمكاناتها الذاتية.

 

إن الأهمية الاستراتيجية لأفغانستان تجعلها قُمرة القيادة في آسيا الوسطى، وإذا ما عرفنا أن هذه المنطقة هي مسرح كل التحولات الدولية، فإن هذا يلقي مسؤولية كبرى على المجتمع الدولي في إعادة إعمار أفغانستان، وتطوير المجتمع الأفغاني، وإعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية للبلاد في جميع المجالات، وهذه كلها أُهملت على مدى عقود بسبب الصراعات الدولية في هذه المنطقة.

ويكذب الغرب عندما يقول إنه أتى إلى أفغانستان لتحريرها وبناء نظام ديمقراطي حداثي فيها، فوجود الغرب فيها كان من أجل الانتقام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. كما أن الغرب مُطالب أيضا بإدماج الحكومة الافغانية في المجتمع الدولي من خلال الاعتراف بها، والسماح لها بالعودة إلى الساحة الدولية للمشاركة في النشاطات الأممية، وهذا يمنحها فرصا كبيرة لتكوين شبكة علاقات مع دول العالم، كما يجعل المجتمع الدولي قادرا على مراقبة أداء هذه الحكومة وتقويمها كلما أمكن ذلك. وكل ذلك يعود بالنفع على الشعب الأفغاني.

وإذا كان الهدف الدولي المُعلن هو عدم السماح بأن تكون أفغانستان ملاذا آمنا للتنظيمات المتطرفة مرة أخرى، فإن العقاب الاقتصادي وعدم الاعتراف بشرعية الحكومة فيها، والاستمرار بسياسة الحصار الدبلوماسي، كل هذه يمكن أن تكون عوامل مساعدة لعودة التطرف وتجارة المخدرات والحشيش وغيرها.

إن حقيقة حركة طالبان التي يحاول الغرب طمسها، هي أنها حركة تحرر وطنية قاتلت بعناد وإصرار كبيرين لتحرير أفغانستان من براثن الاستعمار بكل أشكاله وألوانه. وهي لم تمارس الإرهاب ضد أي دولة من دول العالم، لكن ازدواجية الغرب وأنانيته أضفتا على الحركة طابع الإرهاب، لأنها قاتلت لتحرير البلاد من الناتو، لكن عندما قاتلت السوفييت كان الغرب يصنف عناصرها على أنهم مجاهدون أبطال.