مبدأ الشورى يقيم دولة في أفغانستان

أ. مصطفى حامد – أبو الوليد المصري

 

■ الشورى في الإمارة الإسلامية هي مصدر شرعية الحكم. وهي التي تكسبه صفة (الحكم الإسلامي) الذي اختاره الشعب، ورسم حدوده الشرعية أعضاء الشورى من العلماء المجاهدين.

■ ظهرت أهمية رجال الإمارة أثناء الحرب. فوجودهم أكسب الشعب اطمئنانًا لأن أبطال الإسلام الذين اختارهم للحكم أثناء السلم، هم الذين يقودونه وقت الحرب، ويقفون في مقدمة الصفوف وأوائل المضحين.

اجتماعان لشورى العلماء حددا مسيرة أفغانستان:

أوّلا: تأسيس الإمارة الإسلامية (محرم 1415هـ).

ثانياً: تثبيت حكم الإمارة وبناء الدولة الإسلامية (ذو الحجة 1443هـ)

 

الشورى هي أهم مميزات للحكم الإسلامي. كما أنها أحد سمات الجماعة الإسلامية، حتى أن الله وصف المسلمين بأن (أمرهم شورى بينهم). ولكن الشورى سقطت من حياة المسلمين كما سقط الحكم الإسلامي، منذ وقت مبكر، حين أصبح الحكم غنيمة تستأسر بها قبيلة قوية أو جماعة مسلحة، أو فرد طموح واسع الحيلة قوي الشكيمة، لا ينظر إلى غير الدنيا، غير مبال بالحساب في الحياة الآخرة. وفي معظم تاريخها ابتليت مجتمعات المسلمين ودولهم بالاستبداد والطغيان. فتدهور حالهم حتى وصل إلى ما نشاهده الآن من انحطاط وسيطرة الأعداء، فلا يحكم الناس إلا شرارهم.

من مزايا الإمارة الإسلامية في أفغانستان ليس فقط أنها تطبق مبدأ الشورى، بل أنها أقيمت بمبدأ الشورى، وكانت أهم تطبيقاته. فالإمارة الإسلامية كنظام حدده مجلس شورى العلماء. وهم الذين اختاروا لها الحاكم واختاروا له لقب (أمير المؤمنين)، وليس العكس؛ أي أن الإمارة وأمير المؤمنين لم يختاروا أعضاء مجلس الشورى، أو يقرروا بعد الاستيلاء على الحكم اتباع مبدأ الشورى. ولهذا فإن الإمارة الإسلامية منذ إنشائها لأول مرة عام (1415هـ) وحتى الآن، تجسد أحد أقوى أمثله الشورى في التاريخ السياسي للمسلمين، حيث أن الشورى هي التي أقامت الدولة واختارت حاكمها، وليس العكس. بمعنى إن الشورى ليست هدية من الحاكم تكرم بها على الشعب بعد أن أحكم قبضته على كل شيء، فاختار الشورى كزائدة تجميلية للدولة بلا أي صلاحيات فعلية.

 

الشورى = الشرعية = الإسناد الشعبي

الشورى في الإمارة الإسلامية هي مصدر شرعية الحكم. وهي التي تكسبه صفة (الحكم الإسلامي) الذي اختاره الشعب، ورسم حدوده الشرعية أعضاء الشورى من العلماء المجاهدين.

الشورى هي التي تضمن التأييد الشعبي للحكم الإسلامي في أفغانستان. ونظام الإمارة الإسلامية وظيفته تطبيق الحكم الإسلامي تحت رقابة وتوجيه العلماء والشعب الذي يدعم ويحمي الإسلام والإمارة الإسلامية معاً.

فإذا منح (مجلس شورى العلماء) ثقته للإمارة؛ صار الدفاع عنها وطاعتها جزء أساسي من الدين. ويصبح الخروج عليها خروج عن الشرع وجريمة في حق الدين. وبالتالي فإنّ نظام حكم الإمارة الإسلامية يحظى بأعلى درجات التأييد من الشعب الأفغاني المعروف بفدائيته وتضحيته في سبيل الله ولإعلاء كلمة الإسلام وإقامة حكم الشريعة في المجتمع.

لهذا عندما شنّت الولايات المتحدة وإسرائيل وحلف الناتو عدوانهم على أفغانستان واحتلوا أراضيها وأسقطوا حكم الإمارة الإسلامية ، كان ذلك السقوط رسمياً فقط وليس عمليا . لأنه في الواقع ظل ولاء الشعب مستمراً للإمارة الإسلامية التي حافظت على وجودها بين صفوف الشعب، بعيداً عن أعين الاحتلال وعملائه، لتطبق كل ما تستطيع تطبيقه من شرائع وأركان الإسلام الأساسية، وفي مقدمتها الجهاد في سبيل الله لطرد الجيوش الكافرة المحتلة وعملائها من المنافقين والمرتدين، الذين يساندون المحتل بالسلاح والدعاية، ويطبقون قوانينه الكافرة في وسط الأفغان.

وبفضل الله، ثم تأييد الشعب الأفغاني الغيور على دينه ووطنه، ورغم الحصار الخانق إقليميا ودوليا وانقطاع المدد والمعونات، وشراسة التشويش الإعلامي فقد استطاعت الإمارة الإسلامية أن تنتصر، بعد عشرين عاما من الحرب الطاحنة ضد أقوى الجيوش على ظهر الأرض، المزودة بأشد الأسلحة وأدوات الحرب فتكاً. فلم يبخل أحد بمال أو دماء، ولم يستكثر أحد أي تضحية مهما كانت عظيمة، في سبيل طرد الجيوش الكافرة من أفغانستان، حتى تحقق لهم النصر بعد عشرين عامًا في حرب هي الأطول في تاريخ الأفغان ضد محتل أجنبي. وهي الأطول في تاريخ المحتل الأمريكي. كما عانى المحتل الإسرائيلي أشدّ خسائر واجهها منذ اغتصابه لأراضي فلسطين المقدسة. وهي الحرب التي أظهرت أنّ حلف الناتو عبارة عن كيان بلا روح، وجيش بلا عزيمة أو قيمة قتالية، رغم التزامه باقتراف الجرائم في حق المدنيين. وكذلك فعلت جميع القوات الكافرة التي احتلت أفغانستان. وجميعها اكتشفت أنّ الحروب المباشرة ضد الشعوب المسلمة من المستحيل أن ينجحوا فيها. لهذا عادوا إلى مبدأ مقاتلة المسلمين بالمسلمين أنفسهم، أي إشعال الفتن في الأمة الإسلامية.

 

الصدارة لطالبان .. في السلم .. وفي الحرب

عشرون عاماً من الحرب، دفع الشعب الأفغاني تكلفتها كاملة، من قُوْتِه ودماء أبنائه، وظل محتفظاً بثقته في نظام الإمارة الإسلامية التي فرض وجودها في شهر محرم من عام (1415هـ)، حين فرض نظام الإمارة بزعامة أمير المؤمنين الملا عمر رحمه الله.

وتعتبر حركة طالبان هي الجهاز العصبى للإمارة الإسلامية والقوة العضلية للنظام والهيكل الصلب الذي يحدد شكل كيانها. ومن طالبان تتشكل القوة الضاربة والقدرة الإدارية للإمارة الإسلامية.

وظهرت أهمية دور حركة طالبان أثناء الحرب لأن وجودهم أكسب الشعب إطمئنانا وثقته في أنّ أبطال الإسلام الذين اختارهم الشعب للحكم أثناء السلم، هم الذين يقودنه وقت الحرب، ويقفون في مقدمة الصفوف وأوائل المضحين.

 

اجتماعان لشورى العلماء حددا مسيرة أفغانستان

اجتماعان تاريخيان لشورى العلماء منذ ظهور الإمارة الإسلامية عام (1415هـ)، حيث كان المؤتمر الأول. وصولاً إلى المؤتمر الثاني، بعد هزيمة الاحتلال، والذي عقد في أول شهر ذو الحجة عام (1443هـ) الموافق لشهر يوليو (2022م).

من المهم تسجيل الإنجازات التاريخية التي حققها المؤتمران، وتأثيرهما على حياة الشعب الأفغاني ونظام الحكم الإسلامي الذي أقامه في بلاده.

 

أوّلا: مجلس شورى العلماء يؤسس الإمارة الإسلامية (محرم 1415هـ)

في ذلك الوقت كانت قوات الإمارة على أبواب كابل وتتوقع معركة عنيفة لإخراج حكومة كابل المدعومة بالشيوعين والمليشيات التي دعمت نظام كابل في العهد السوفيتي.

قوات الإمارة (بقيادة المؤسس الملا محمد عمر) توقفوا عند كابل بحثا عن تأييد شرعي وشعبي، يكون قويا بحيث يتيح إمكانية كاملة لاستخدام القوة لاقتلاع نظام كابل الفاسد والخارج عن الشرع، وإقامة نظام إسلامي صحيح.

كانت قوات الإمارة مدعومة بالكثير من القيادات الميدانية لمرحلة الجهاد السابق ضد السوفييت. مجلس شورى العلماء الذي عقد في شهر محرم (1415هـ ) حصلت فيه حركة طالبان على تفويض شرعي لاقتلاع النظام الفاسد لأحزاب ومليشيات كابل. كما أصدر العلماء تفويضاً شرعياً لإنشاء كيان يحكم أفغانستان تحت اسم (الإمارة الإسلامية). ومنحوا الملا محمد عمر قائد حركة طالبان بيعة شرعية ليصبح حاكماً (للإمارة الإسلامية) تحت مسمى (أمير المؤمنين). وهكذا حصلت الإمارة الإسلامية وأمير المؤمنين وحركة طالبان بما كان يلزمهم من تفويض شرعي وديني، صادر عن الجهة الوحيدة التي يمكنها منح مثل ذلك التفويض، وهم العلماء الصالحون والمجاهدون الفاتحون.

 

ثانياً: مجلس شورى العلماء بُثَبِّتْ حكم الإمارة وبناء الدولة الإسلامية، في اجتماع ذو الحجة 1443هـ

وفي أول شهر ذو الحجة (1443هـ) الموافق لشهر يوليو(2022م) شعرت الإمارة الإسلامية وحركة طالبان بضرورة الحصول على بيعة دينية وشرعية جديدة، لمواجهة التحديات التي تواجه عملية بناء إمارة إسلامية حقيقية، رغم إنتصار الشعب وهزيمة جيوش الكافرين الغازية. لقد حصلت الإمارة على ذلك التفويض من مجلس شورى العلماء الذي أصدر بياناً تاريخيا مكوناً من أحد عشر بنداً، ويعتبر مرجعاً هاماً للمسيرة الشرعية والسياسية لإمارة أفغانستان الإسلامية. وهو بيان يستحق وقفات تفصيلية لدراسة ما جاء فيه من تأكيدات على ثوابت ومبادئ شرعية وسياسية، تحكم مسيرة أفغانستان في مرحلة بناء الدولة الإسلامية، بعد أن تحقق الانتصار والتحرير.

 

شورى القبائل “لويا جركا”، تؤكد تنفيذ قرارات شورى العلماء

للتأكيد على البيعة التي منحها مجلس شورى العلماء للإمارة الإسلامية ولأمير المؤمنين، اجتمع في كابل مجلس (لويا جركا) والذي يمثل جميع القبائل التي تعيش على أرض أفغانستان. وقد أعطى تأييده الكامل لقرارات مجلس شورى العلماء. وأكد اجتماع القبائل على الالتزام بها. ويعتبر ذلك أوسع مشاركة شعبية في إصدار القرارات، حيث أنّ أعضاء مجلس شورى القبائل (لويا جركا) قد اختارتهم قبائلهم من بين أفضل العناصر القيادية والدينية والجهادية. وقرارات المجلس تفيد بما استقرّ عليه رأي القبائل فيما بينها وتأييدهم لقرارات مجلس شورى العلماء، بما يعني عملياً موافقة نهائية وكاملة لجميع فئات الشعب الأفغاني.

من هنا فإنّ القرارات الشرعية التي أصدرها مجلس شورى العلماء المنعقد في بداية شهر ذو الحجة لهذا العام، يعتبر أقوى القرارات التي صدرت في تاريخ أفغانستان الحديث، تعبيراً عن الرأي الحقيقي للشعب الأفغاني.