شمعة في يد أمين خيرٌ من سراج في يد لص

غلام الله الهلمندي

 

هل يستطيع علماء الدين إدارة الدولة اقتصادياً وسياسياً؟ وهل من الممكن أن يديروا البلاد بنجاح؟ وهل مَن لم يجلس يوماً على مقاعد كليات الحقوق والعلوم السياسية وكليات الإدارة والاقتصاد؛ سيكون قادراً على قيادةَ الشعب؟ وهل سيستطيع تحقيق العدالة الاجتماعية؟

 

إن عددا كبيرا من الشباب المسلم المثقف يزعم، تحت تأثير الإعلام المعادي الذي يدس السم في العسل، وتحت تأثير البرنامج الدراسي الفاسد الذي تشرّبه، يزعم “بأن علماء الدين لن يستطيعوا النجاح في إدارة الدولة، وليست هذه مهمتَهم، فليذهبوا إلى مسجدهم”، وهذه الفكرة التي تفصل الدين عن السياسة فكرة تنشأ من العلمانية وتخدم الإلحاد، وتباعد بين طبقة العلماء وأفراد المجتمع. غير أن الواقع في أفغانستان يدحض هذه الفكرة من الأساس، ويكذّب هذه الفئة من المنخدعين والمنبهرين بثقافة الغرب، والحقائق في دولة أفغانستان الحديثة تفضح هذا الرأي.

فإن طبقة العلماء في أفغانستان على مر التاريخ لعبت دورا هاما في قلب الموازين والحسابات في الحلبة السياسية، ودون تأييدهم، لم تستطع دولةٌ البقاءَ على قيد الحياة أبدا، ومن هذا المنطلق فعلماء الدين كانوا ولا زالوا قادرين على بناء نظام سياسي ناجح متكامل في ضوء تعاليم الإسلام وتقاليد المجتمع.

والمجتمع الأفغاني ليس كأي مجتمع، وإنما يختلف الوضع هنا تماماً، إنه مجتمع يعتبر أمر العلماء فوق كل أمر، وللعلماء نفوذ كبير ومصداقية تامة لدى أفراد المجتمع، فالقول قولهم، وفيما ينطقون به فصل الخطاب في أي أمر من الأمور، إنهم يتمتعون بنفوذ وتأثير كبير جدا في هذا المجتمع.

إن المجتمع الأفغاني مجتمع إسلامي تمّ بناؤه على تعاليم الإسلام. ومن جهة أخرى فالسياسية في نظر الإسلام واجب شرعي له أحكامه وأهميته ومكانته، والعلماء أكثر الطبقات علما بأحكامها وشروطها، الإسلام ليس مثل ديانة المسيحية أو أي ديانة لاهوتية أخرى، فالإسلام يختلف جوهرياً عن غيره من الديانات، ﺇﻥ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺗﺤﺘﻢ تنظيمه لشؤون ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ متخللاً ﻣﻨﺎﻓﺬﻫﺎ ومصلحاً ﻹﺷﻜﺎﻻﺗﻬﺎ ومعايبها. وبناء على ذلك فعلماء الدين أكثر استحقاقا بإدارة الشؤون السياسية من غيرهم.

 

عندما دخلتْ (أو بالأحرى) عادت قوات الإمارة الإسلامية إلى العاصمة كابل من جديد في (15 آب / أغسطس 2021) وأحكموا سيطرتهم على أراضي أفغانستان شبرا شبرا بالسيطرة على وادي بنجشير المنيع، الوادي الشهير منذ الغزو السوفياتي إلى اليوم، والذي كان معقل المنافقين أو ربما (المنخدعين)، والذي كان أمل الأعداء الأخير؛ فقد الأعداء أملهم ويئسوا تماماً من استعادة حكمهم على البلاد، حينئذ كثفوا الحرب في خنادق الإعلام أكثر من ذي قبل، وأعلنوا حربا إعلامية ضروسا ضد الإمارة الإسلامية؛ فبدأوا بتشويه صورتها، وتزييف الحقائق ونشر الأكاذيب، كما استهدفوا إسقاط النظام الاقتصادي والنظام الإداري حتى تفشل هذه الدولة الحديثة الفتية.

 

كما تعالت الأصوات من حناجر مملوءة بالغضب والحقد والكراهية بأن دولة “طالبان” سوف تعيد البلد سنوات أو ربما مئة سنة إلى الوراء، ولكن الواقع (والحمد لله) كذّبهم، إن ما حققته الإمارة الإسلامية من إنجازات كبيرة في مجالات الاقتصاد والعمران والخدمات هو عكس تلك التنبؤات. والذي نراه اليوم بأم أعيننا ويراه العالم بما فيه الأعداء عكس ما كان يقدره (المحللون) بغيا وزورا وحقدا.

إن زعماء الإمارة الإسلامية يهمهم تحسين الظروف الاقتصادية، ويهمهم إصلاح أوضاع شعبهم المعيشية، ويبذلون جهودهم ليل نهار في سبيل إعادة إعمار البلاد وتطويرها وازدهارها أكثر من أي حكومة مضت. نجحوا في تشكيل حكومة مركزية قوية تحكم جميع أراضي أفغانستان شبرا شبرا بعد أكثر من أربعة عقود، تمكنوا من بسط الأمن الشامل في أرجاء الوطن، وشكلوا جيشا إسلاميا أفغانيا قويا، وكوّنوا علاقات جيدة ومتوازنة مع العالم، يهمهم تحسين علاقات بلادهم مع دول المنطقة والعالم العربي والإسلامي وسائر الدول، ولا يدخرون جهدا في هذا المجال. وبناء على ذلك فعودة الإمارة الإسلامية (كما يشهد الواقع) خطوة كبيرة حثيثة إلى الأمام بالنسبة للوطن والشعب، وليست خطوة إلى الوراء كما كان يظن البعض.

 

إن الإمارة بدأت تخلق فرص العمل والإنتاج للشباب العاطل، وحافظت على سعر العملة الأفغانية، رغم مساعي جبارة بذلها الإعلام المعادي لخفض سعرها مقابل الدولار ولجرّ الاقتصاد الأفغاني نحو الهاوية. ولكن لحسن الحظ حدث العكس، فقد أنقذت الإمارة الاقتصاد الأفغاني الذي كان على وشك الانهيار، وأعدت أول ميزانية وطنية منذ 20 عاما لا تحتوي على المساعدات الأجنبية التي دفعت في السنوات الأخيرة 75 بالمئة من النفقات العامة. إن البلد في ظل هذه الحكومة الصادقة في طريقه نحو الاكتفاء الذاتي الاقتصادي وبناء اقتصاد محلي قوي بإذن الله.

 

إن التخصص دون شك أمر لا بد منه في إدارة الدولة، ولا بد منه في طريق ازدهار الوطن والرقي به إلى مستوى دول المنطقة، ولكن إذا كان التخصص من دون إيمان وإخلاص وأمانة وضمير فهو سراج في يد لص، يساعده في ظلمات الطريق ويساعده في الوصول نحو غايته. وزعماء الإمارة الإسلامية لم يحصلوا على شهادات سياسية، ولكنهم يملكون الخبرة والحكمة والإخلاص والأمانة والضمير في إدارة شؤون الدولة، وأثبتوا ذلك بنشاطاتهم وأعمالهم ومساعيهم، وصورة العاصمة كابل الجديدة خير شاهد على ذلك. وهل يستطيع الأعداء أن يغضوا طرفهم ويصموا آذانهم وينكروا كل هذه الإنجازات؟

 

إن الإمارة الإسلامية تنفق الأموال على خدمة الشعب وعلى مشاريع تفيد المواطنين في المستقبل بكل أمانة ونزاهة. كما أنها نجحت في القضاء على الاختلاس والفساد في الدوائر الحكومية إلى حد كبير، وقضوا على عصابات المافيا. وفي كل يوم نسمع خبرا سارا بشأن افتتاح مشروع جديد، أو إعادة فتح وتشغيل مصنع قديم كانت تمت سرقة محتوياته من الماكينات والأجهزة والتقنيات والمعدات، وهناك مصانع حكومية معطلة قديمة توقفت عن العمل لأكثر من ثلاثين أو أربعين عاما، بدأت الإمارة الإسلامية تنفق عليها وتجهزها وتعيدها للإنتاج، في حين لم يستطع الأمريكان فتح أبوابها وتجهيزها للإنتاج على مدى السنوات العشرين الماضية في زمن “إعادة إعمار أفغانستان” كما كانوا يدّعون. وعلى سبيل المثال: مصنع “سبن زر” الواقع في قندوز، مصنع حكومي للزيت بقيت أبوابه مغلقة لأكثر من أربعين سنة، تمت سرقة مكائنه وآلاته على أيدي العملاء واللصوص، أو تضررت بعض مكائنه خلال الحرب بسبب وجوده في منطقة اشتباكات، والإمارة الإسلامية اليوم تفتتح أبوابه وتنفخ فيه روحا جديدة.

 

إنها إنجازات في وقت قياسي لا يمكن التغاضي عنها بشكل من الأشكال. بل إن مجرد إدارة بلد جُمِّدت أمواله، ويخضع لعقوبات دولية جائرة، مع عدم حرية بنوكه ووصول الفقر إلى مستويات شبه عالمية؛ إنجاز كبير.