الافتتاحية: حال أفغانستان بين أم رؤوم وأخرى مستأجرة

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذِّئب، فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنَّما ذهب بابنك أنت. وقالت الأخرى: إنَّما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السَّلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسِّكِّين أشقُّه بينكما. فقالت الصُّغرى: لا، يرحمك الله هو ابنها. فقضى به للصُّغرى)، فأوهم سليمان عليه السلام المرأتين بأنه يشق الابن بالسكين، ليعرف أمه بالشفقة عليه والرحمة به. تتناهى قصة هذا الحديث الشريف إلى ذهن المرء وهو يطالع الأخبار السارّة حول إنقاذ إمارة أفغانستان الإسلامية لحياة أكثر من 15 ألف مدمن للمخدرات في مختلف محافظات البلاد، 5000 منهم في العاصمة كابول لوحدها، وإخضاعهم لبرنامج علاجي في مركز (آغوش) الصحي بكابول. هذا العدد الهائل من ضحايا السموم المخدرة لم يقعوا في هذا القاع المُوحِل بين ليلة وضحاها، بل كانوا يعيشون حياتهم المأساوية والمؤلمة هذه -بين أكوام القمام وأنواع الحشرات والقوارض- طيلة عشرين سنة ماضية على مرأى ومسمع من حوالي 50 دولة من دول “التقدم التقني” و”التطور الطبي” و”الحفاظ على حقوق الإنسان والحيوان”!!

 

هذا المشهد يلخص لنا قصة الحديث النبوي أعلاه؛ فالإمارة الإسلامية هي الأم الثكلى بالنسبة لهؤلاء الذين أضاعوا طريقهم، فهي ترى أنهم جزء من جسدها، مَرِض، ولابد له من العلاج والاستشفاء؛ فهبّت لانتشالهم من هذا الوحل وإخراجهم من ظلمات الهلاك إلى أنوار النجاة، على الرغم من التضييق الاقتصادي والسياسي المفروضان عليها جوراً وظلماً. بينما أولئك المحتلين الأغراب الوحوش الذين دمروا البلاد وجثموا على صدرها مدة عشرين عاماً؛ هم النائحة المستأجرة التي لم يهز شعرة فيها منظر هؤلاء المدمنين وهم يفقدون حياتهم أفراداً وجماعات على جسر (پل سوخته)، بل وربما سهّلت لهم تداول تلك السموم القاتلة وأَجْرَتها في أيديهم لكي لا يكون لهم أثر ولو بسيط في تحرير بلادهم وازدهارها والرقي بها، على الرغم من دندنة أولئك النوائح المستأجرات ليلاً ونهاراً على وسائل الإعلام حول “إعمار” البلد و”تطوير” البلد و”إنقاذ” إنسان البلد من التخلف والرجعية!!

 

وجسر (پل سوخته) والذي يعني (الجسر المحروق)؛ هو أحد أشهر الجسور في كابول حيث كان يُعرف بأنه مأوى لمدمني المخدرات، قبل أن تعيد ترميمه الإمارة الإسلامية مؤخراً، وتودع جميع المدمنين فيه مركزاً صحياً متخصصاً لعلاج الإدمان، وتنظف المنطقة من آثار الإهمال التي امتدت لعشرين سنة ماضية. كما غيّرت الإمارة الإسلامية مسمى الجسر إلى (جسر السعادة)، وحوّلت منطقته إلى مركز للتنزّه والترفيه، وأقامت فيه -بالتنسيق مع مطبعة (السيرة)- معرضاً للكتاب مدة ثلاثة أيام.

 

إنجازٌ مبهجٌ آخر، يضاف إلى سلسلة إنجازات إمارة أفغانستان الإسلامية خلال الفترة الوجيزة منذ توليها حكم البلاد؛ وهو قيام وزارة العمل بالتنسيق مع الهلال الأحمر الأفغاني ووزارة الداخلية بجمع أكثر من 26 ألف من المتسولين، غالبيتهم من الممتهِنين، وإيداع المستحقين منهم في مراكز الإيواء والتكفل بالرواتب والنفقات اللازمة لهم، وتوفير فرص التعليم للأطفال منهم، وتعليم من جاوز عمره سن التعليم الحرف والأشغال اليدوية.

 

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد حققت حكومة الإمارة الإسلامية تقدماً ملموساً -باعتراف البنك الدولي- برفع صادرات البلد من 700 مليون دولار، إلى مليار و8 مليون دولار سنوياً. يأتي هذا التقدم في الوقت الذي تفرض فيه الحكومات الغربية تضييقاً اقتصادياً، وقيوداً على القطاع المصرفي في أفغانستان، وتجميد للأصول الأفغانية في الخارج.

وتبذل الإمارة الإسلامية جهوداً حثيثة للارتقاء باقتصاد البلد وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين من خلال دعم وتشجيع المنتجات المحلية، وتوفير فرص عمل جديدة بإنشاء المصانع أو إعادة افتتاح القديم منها؛ مثل إعادة تشغيل مصنع (سبن زر) بولاية قندوز وهو مصنع حكومي للزيت ظل معطلاً عن العمل لأكثر من 40 عاماً، وغيرها من الخطى الجادة في هذا الشأن.

 

وعوداً على ذي بدء، فإن الحرص الشديد والمسؤولية التي تتخذها إمارة أفغانستان الإسلامية على عاتقها في الحفاظ على البلد ومواطنيه والرقي به وبهم إلى المكانة التي يستحقها ويستحقونها؛ في السماء بين النجوم، لدليل ساطع ناصع على أنها الأم الرؤوم الشفوق على أبنائها والتي تبذل الروح والنفس دونهم، والتي -أيضاً- كشفت عوار الحكومات السابقة التي صنعها الاحتلال على عينه، والتي لم تقدم للبلد إلا الجراح والآلام.