ضرورة التجارب الأفغانية للمسلمين والعالم

sl3

sl3

# أمريكا وحلف الناتو يعيدون موضعهم في المنطقة العربية بعد هزيمتهم في أفغانستان، وهدفهم تأمين سيادة إسرائيل، وضمان أطماع الغرب الاقتصادية والإستراتيجية.
# نفس الفصائل الإسلامية التاريخية التي وقفت في أفغانستان مع الاحتلال الأمريكي، تقف في العديد من العواصم العربية في العلن والسر مع أمريكا وإسرائيل.
# يجب ألا نمل من التحذير من أن الكثير من الحركات الدعوية والجهادية قد أصبحت تحت التأثير المباشر أو غير المباشر للأعداء، وذلك يجعل من الإصلاح عملاً في غاية الصعوبة.
# استقلال العلماء والتعليم الديني هو سر الإعجاز في تجربة الشعب الأفغاني الذي حطم إمبراطوريات الاستعمار.
# البعض استعانوا بالشعارات الصاخبة والمعارك في الاتجاهات الخاطئة كي يستروا انحرافهم بمسيرة الجهاد وتعاونهم مع أعداء الأمة.
# التمويل الخارجي للمنظمات والأحزاب هو أوسع أبواب الفساد التي تحول الجهاد إلى حريق بالوكالة.
# دروس “الربيع الزائف” عظيمة الأهمية لأفغانستان بعد التحرير لتفادى تهديدات كارثية.
# تعدد الأحزاب يعنى تعدد مصادر التمويل الخارجي، في مهمة لشغل حياة الوطن بالضجيج والخلاف بدون أن تتطرق بأي قدر من الجدية لقضاياه الأساسية.
# تعرضت الحركة الإسلامية بكافة فروعها لمفاسد مناخ الديمقراطية الغربية، فلا السياسة أصبحت بهم إسلامية، لا الدعوة بقيت سالمة من تأثير الفساد السياسي والمصالح المالية والتجارية.
# المساندة الشعبية الكاملة لحركة طالبان عوضها عن حالة الحصار التي ساهم فيها المسلمون قبل غيرهم. 
# توقف المسلمون حتى عن الدعاء لمجاهدي أفغانستان خوفاً من غضب أمريكا وإسرائيل ودول الناتو، فتلك هي مصادر الرياح التي تهب على “الربيع العربي”.
# في ظروف الجهاد الصعبة ضد أقوى تحالف للشر في التاريخ استطاعت حركة طالبان، ليس من هزيمة عدوها عسكرياً فقط، بل وأحبط كافة محاولاته لإثارة الفتن الداخلية.
# وحدة الشعب الأفغاني هي أمضى أسلحته في مرحلة ما بعد التحرير.
# ستكون أفغانستان مؤثرة على مجريات العالم في المرحلة القادمة، وهى مرشحة لإصلاح مسيرة العالم الإسلامي الذي أفلست قواه الحركية التي كانت معقد الآمال.
# أفغانستان جغرافيا هي مفصل الاتصال البرى بين أربع قوى أساسية في النظام الدولي القادم، وهى طليعة لكتلة إسلامية فاعلة، متكاملة مع مسلمي المنطقة العظمى الممتدة من آسيا الوسطى إلى شبه القارة الهندية وإيران.
# إذا لم تضطلع أفغانستان بدورها الكبير القادم فسوف تذوب كنقطة ماء في بحر القوى الجبارة التي حولها، وذلك هو التحدي الأكبر أمام الشعب الأفغاني العظيم وقيادته الإسلامية المجاهدة.

التاريخ مصباح ينير الطريق نحو المستقبل، وإهمال دراسة التاريخ هو إهدار لذلك المستقبل.

والأخطر من ذلك هو دراسة التاريخ بشكل خاطئ واستخراج دروس غير صحيحة، أو إعتساف النتائج نتيجة للأهواء. أو قراءة التاريخ بشكل انتقائي أو غير أمين للخروج بنتائج محددة سلفا لخدمة أهداف سياسية.

وقد أهمل المسلمون كثيراً دراسة تاريخهم البعيد والقريب، فتكررت أخطاؤهم وتعاظمت.

وهذا واضح في الاضطراب الكبير الذي يهز بلاد المسلمين ويهدد معاقلهم الحضارية.

فقد تسلط الأعداء عليهم وتحكموا في شتى أمور حياتهم، وسلبوا ثرواتهم، وأضعفوا الدين واستبعدوه عملياً من الحياة، وأشاعوا الفوضى والإضراب والفتن بين صفوفهم.

ونتج عن ذلك ضياع الأمن وفقدان الثقة بين الناس وانتشار القتل المتبادل والتخريب المتعمد واضطراب الأفكار وضياع الطريق نحو الخلاص.

وحتى دراسة تاريخ باقي شعوب الأرض مهم لنا لأخذ العظة والعبرة واستخلاص النتائج. لأن مسيرة الإنسان على ظهر الأرض واحدة، فالشعوب يؤثر بعضها على بعض، وذلك واضح لنا الآن كما لم يكن واضحاً في أي زمن سابق.

تجارب أفغانستان في العقود الأربعة الأخيرة خير مثال على إهمال المسلمين في دراسة تاريخهم والاستفادة من دروسه، رغم ما دفعوه من ثمن باهظ جداً كلفهم ملايين الأرواح مع أموال لا حصر لها.

فلو أن العرب مثلاً فهموا الدروس المستفادة من جهاد أفغانستان ضد السوفييت، لما وقعوا في تلك الأخطاء الكبيرة التي أدت إلى فشل انتفاضاتهم الشعبية في مواجهة سلاطين الجور والفساد، من أجل استعادة الحرية والكرامة والعدالة.

ذلك رغم أن العرب لم يكونوا بعيدين أبداً عن تلك التجربة الأفغانية بل شارك فيها الآلاف من شبابهم، واستشهد منهم المئات فوق ثرى أفغانستان الطاهر الذي امتزجت فوقه دماء صفوة شباب الأمة الإسلامية من أفغان وغير الأفغان.

كانت تجربة فريدة من نوعها في تاريخ المسلمين والبشرية جمعاء، ولكن يبدو أن المسلمين كانوا الأقل استفادة من دروسها، فواصلوا الوقوع في نفس أخطائهم القديمة بل وضاعفوها، فكان حالهم كما نرى الآن: ضياع وخراب وفوضى وفقدان السيطرة على المصير، وتسلط الأعداء على نواحي الحياة كبيرها وصغيرها.

أخطأ المسلمون أيضاً في اكتشاف حقيقة واضحة أشار إلها القرآن، ويحققها الواقع في كل دقيقة (وتلك أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاعبدون).

رغم الوضوح الساطع كضوء الشمس لحقيقة أن ما يحدث من اضطراب في المنطقة العربية له ارتباط وثيق بما يجرى في أفغانستان من صراع بين ذلك الشعب المجاهد وبين جيوش العدوان الغربي الهمجي، ذلك العدوان الذي تقوده الولايات المتحدة وحلف الناتو وتشاركهم إسرائيل بشكل قوي ولكنه مستتر، خوفاً من افتضاح الأسباب الحقيقية للعدوان على أفغانستان.

فبعد هزيمة أمريكا وحلفائها في أفغانستان، فإنهم يعيدون الانتشار في المنطقة العربية، لتأمين السيادة الإسرائيلية أولا، وتأمين أطماع أمريكا وحلفائها في ثروات المنطقة ومزاياها الإستراتيجية ثانيا.

وتلك هي نفس القوى التي تعيث فساداً في بلاد العرب وتنتشر فيها الفوضى والفقر والاقتتال، فتتحول انتفاضات الإصلاح إلى دمار وانقسامات وانهيارات للأمم والمجتمعات، أي إلى “ربيع عربي” حسب التوصيف الغربي المنافق لتك الحالة المأساوية.

نفس القوى الشيطانية (الولايات المتحدة، حلف الناتو، إسرائيل) هي التي تشيع الخراب في بلاد العرب الآن، بعد أن هزمها شعب أفغانستان وأرغمها على انسحاب غير مشروط من بلاده.

ونفس القوى “الإسلامية!!” التي تعاونت مع الأعداء في أفغانستان الآن ومنذ عقود، هي نفسها التي تتعاون معهم الآن في بلاد العرب وتساعد في بقاء مشروعهم الإستعمارى، مقابل مشاركة تافهة في الثروات والسلطة السياسية.

ومن المؤسف أن يكون من بين المتعاونين مع دول الغرب الاستعمارية المعتدية مجموعات محسوبة على الإسلام وتهتف بشعارات إسلامية لا تجاوز حناجرها.

تماماً كما فعل قادة الأحزاب “الجهادية” في أفغانستان الذين باعوا جهاد الشعب واستدعوا جيوش شياطين الغرب، لتحل مكان جيوش شياطين الشرق.

لقد كانت الثورة التصحيحية التي قادتها حركة طالبان موجهة ضد فساد أمثال هؤلاء الذين استلموا السلطة في كابل، وبدلاً من أن يحكموا بالإسلام عملوا كل جهدهم لتدمير أساسيات الإسلام بالتعاون مع أعدائه، بينما هم يظهرون الاحترام له شكلا، ويكتفون بالمظهر الإسلامي الشخصي كبديل عن تطبيق شرائع الإسلام وحدوده.

حدث ذلك في المجتمع الأفغاني الذي ضحى بحوالي مليوني شهيد من أجل طرد الشيوعية وتطبيق الإسلام.

هؤلاء الزعماء الذين أصموا الآذان بدعواهم وإدعائهم بأنهم أبناء “الحركة الإسلامية” وقادة “صحوتها” كانوا في الحقيقة يخدعون المسلمين ويتاجرون بالدين وبدماء شعبهم، من أجل الوصول إلى السلطة بمباركة الولايات المتحدة وأوروبا، فقدموا البلاد هدية لهم يحققون فيها مآربهم وفى الإقليم الذي حولها.

حقيقة هؤلاء “القادة الإسلاميون!!” كانت خداع المسلمين والإخلاص للكافرين، احترام الإسلام شكلاً والإضرار به عملاً، وأكل الدنيا بالدين وإتخاذه سلعة وارتزاقا، بطاعة الكافرين ومعصية الله وتضليل الناس والسير بهم في مجاهل تلبس الحق بالباطل.

تلك كانت حقيقتهم في أفغانستان، فهل استوعب المسلمون تلك التجربة المريرة؟؟ وهل استفاد منها العرب أم أنهم كرروا نفس الأخطاء؟؟ فهل ضاعت دماء شبابهم سدى في أفغانستان بدون أن يفهموا ما حدث فيصبحوا أكثر وعياً ؟؟.

إنهم لم يستفيدوا من الدرس، بدليل أن نفس النوعية من الزعماء تعمل هناك وتؤدى نفس الوظيفة ضد الإسلام والمسلمين ولكن باسم الإسلام، فضاعت الأوطان والثروات وانتشرت الفتن ووقعت الشعوب في حيرة فلا تجد لنفسها مخرجاً. وأنَى لهم أن يجدوا مخرجاً وقد صار معظم القادة من “جهاديين ودعاة” جزءاً رئيسياً من حالة الفتنة والضياع، وبدلا عن راية الإسلام رفعوا راية ديمقراطية الغرب، وأظهروا طاعة شكلية للإسلام وخضوعاً فعلياً ومفضوحاً لأعدائه وعلى رأسهم إسرائيل والولايات المتحدة ومعهما دول ناتو التي تواصل إذلال المسلمين منذ قرون متواصلة. وفتحوا أذرعتهم للأعداء ومهدوا لهم سبل النفاذ إلى كل شيء وتعاونوا معهم على ذلك.

والجائزة هي نفس ما ناله أشباههم في أفغانستان، أي المال الحرام والسلطة الذليلة المتعفنة.

ونفس الفصائل “الإسلامية التاريخية!!” التي وقفت مع الاحتلال الأمريكي في أفغانستان، تقف في العديد من العواصم العربية الهامة / في العلن وليس في السر فقط / مع أمريكا وإسرائيل.

لقد موهوا على شعوبهم بالقول أن الديمقراطية الغربية هي الإسلام وأن الظلم والاستغلال وسرقة الثروات وتهريبها وإضعاف اقتصاد المسلمين وتجهيلهم وإهدار صحتهم وتخريب مقومات حياتهم، هي نفسها تعاليم الإسلام ومبادئ اقتصاده ورؤيته للمجتمع المسلم، وفوق ذلك يتبجحون بامتلاك ما أسموه “مشروعا إسلاميا”

وكأن التبعية لأعداء الإسلام والتفريط في أراضى المسلمين هي الوسطية والاعتدال في الإسلام. فأي تخريب للإسلام أكثر من ذلك ، بل أي صد عن سبيل الله أخطر منه؟؟.

يجب ألا نمل من التحذير دوماً من أن كثير الحركات الدعوية والجهادية قد أصبحت تحت التأثير المباشر أو غير المباشر للأعداء، وقد يعنى ذلك انسداد طرق النجاة أمام تلك الشعوب، وجعل مهمة الإصلاح في غاية الصعوبة وشبه مستحيلة في الكثير من المناطق.

في البلاد التي تمتع فيها علماء المسلمين باستقلالية اقتصادية بعيدا عن تأثير “السلاطين” ماليا وسياسيا، تمكن التعليم الديني من النجاة من سيطرة حكومات الفساد والبغي.

في مثل تلك البلاد يمكن إيجاد البديل والخروج من الكوارث وذلك ما حدث في أفغانستان، وذلك هو السر الأكبر للمعجزة الأفغانية التي حطمت إمبراطوريات الاستعمار كما استعصت على حكم سلاطين الجور، كما ثارت على حكم مدعي الإسلام المتعاونين مع أعداء الدين والأمة.

فالشعب الحر أنتج علماء دين أحرار وتعليم ديني مستقل. ومن هؤلاء جميعاً ظهرت حركة طالبان التي قادت شعبها لإصلاح مسار الحكم وأزاحت المنحرفين والفاسدين عن سدة الحكم، فلما تدخلت جيوش الغرب لحماية أعوانها هؤلاء تصدى لهم شعب أفغانستان بقيادة أبنائه من حركة طالبان في مواجهة تاريخية بدأت منذ سنوات في تغيير وجه العالم، وأدت إلى اضمحلال قوى وصعود أخرى، تماما كما حدث بعد هزيمته للسوفييت.

ولكن هذه المرة سيكون الشعب الأفغاني في طليعة القوى الصاعدة، والوجه الإسلامي الأكثر إشراقا. ولن يكون وحيداً بالطبع لأن قوى إسلامية عديدة سوف تلحق به وتشد من أزره لتكون الأمة الإسلامية في صدارة المرحلة القادمة من تاريخ البشرية.

سيكون ذلك تحديا تاريخيا طويلا وصعبا، ولكن انتصار الإسلام حتمي رغما عن أعداء الداخل والخارج (والله غالب على أمره).

:::::::::::::::::::::::::

ثـلاث تـجـارب أفـغـانـيـة

تجارب كبرى مرت بأفغانستان في ثلاث مراحل متتابعة وجميعها غنية بالنتائج الهامة التي ينبغي أن تكون دروساً لجميع المسلمين.
ــ المرحلة الأولى كانت الجهاد ضد الحكم الشيوعي والاحتلال السوفيتي ( 1978-1992).
ــ والمرحلة الثانية (1994- 2001 ) كانت الثورة الجهادية التصحيحية التي قادتها حركة طالبان وأنشأت خلاها نظام الإمارة الإسلامية، وانتهت بالحرب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة على البلاد. 
ــ المرحلة الثالثة، بدأت عام 2001 بالاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وحتى بداية فرار جيوشهم منها عام 2012 ومازال الفرار مستمرا حتى الآن.
الدروس الهامة من تلك المراحل الثلاث أكدتها أحداث المنطقة العربية وما تمر به من تمزقات أطلق الغرب عليها مصطلح “الربيع العربي”. وفيما يلي بعض أهم تلك الدروس :
 

1- الإسلام : شعار وسلوك وعمل.

إذا كان الإسلام هو الذي يقود حركة الشعوب، فينبغي على القادة أن يتخذوه شعاراً وسلوكاً وعملاً في كتلة واحدة لا تنفصل. 

فقد رأينا كيف أن البعض اكتفى بالشعار وكان تقصيره واضحاً في السلوك والعمل. فعوضوا ذلك بالصوت المرتفع والتشدد في غير موضعه، واستخدام العنف حيث ينبغي اللين والرفق، بل استخدموا السيف بديلاً عن الكلمة والحوار. 

والبعض استعانوا بالشعارات الصاخبة والمعارك الوهمية في الاتجاهات الخاطئة ليستروا انحرافهم بمسيرة الجهاد وتعاونهم مع أعداء الأمة.

2- وحدة القيادة مع وحدة التنظيم.

كثيرة هي آيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض المسلمين على الوحدة وتجنب الشقاق. ولكن ذلك يبدو وكأنه أصعب الأمور التي يعجز المسلمين عن تنفيذها حتى في أحرج اللحظات. 

وذلك واضح في عواصف الربيع العربي حيث أن الناس هناك (أعطوا الجدل ومنعوا العمل)، ولم يتعظوا بالأحزاب الجهادية في بيشاور وقت الجهاد ضد السوفييت، وكيف أن تعدد القيادات وتعدد القيادات وتناحرها وتعدد التنظيمات وصراعها وتمزيق المجاهدين إلى فئات تتعصب للحزب وليس للدين أو الوطن، أدى كل ذلك إلى فتح الأبواب واسعة أمام الأعداء كي يعبثوا بالجهاد فسيطروا على مسيرته ثم صادروا نتائجه وحرموا الشعب الأفغاني من ثمرة تضحياته الجسيمة.

وفى النهاية فإن نفس هؤلاء الزعماء المتناحرون ظهرت نواياهم الحقيقية، فكانت استبدال احتلال باحتلال آخر، أي استبدال الاحتلال السوفيتي بالاحتلال الأمريكي. 

وكان تعاونهم مع العدو الأمريكي مستمراً منذ زمن بعيد، والأهداف واضحة في أذهانهم منذ البداية، ولكي يستروها عن أعين المجاهدين رفعوا عقيرتهم بالشعارات الرنانة والخطب العصماء، إلى أن كشف الواقع عن خبث طويتهم.

إن تعدد التنظيمات الجهادية يمزق قوى المقاومة، ويكون بذرة لصراعات مسلحة بعد التحرير / باستثناء تعدد غير مقصود تمليه ظروف جغرافية قاسية أو معضلات لوجستية أو اجتماعية / ولكن التعدد التنظيمي للمجاهدين في أفغانستان وقت الجهاد ضد السوفييت كان بفعل تدخل ونفوذ الدول خارجية. 

وتلك حالة التنظيمات في العالم الإسلامي حاليا، حتى التنظيمات الدعوية أو الجهادية، فالتمويل الخارجي للمنظمات والأحزاب هو أوسع أبواب الفساد التي تحول الجهاد إلى حريق بالوكالة، والمجتمع المسلم إلى ساحة لصراعات دول خارجية.

3- توحيد الشعب والحفاظ على مصالحه.

بعد الاعتماد على الله مباشرة يأتي الاعتماد على الشعب في العمل الجهادي وتحديات مراحل ما بعد التحرير، أي مراحل تطهير البلاد من أثار مرحلة الانحراف تمهيدا لمرحلة البناء. وكلما كان الإيمان بالله قوياً زاد الاعتماد على قوة الشعب كمصدر للقوة البشرية والمالية والتعاون الكامل في الجهاد ضد الأعداء ، وصار النصر مؤكدا.

ــ وعكس تلك القاعدة الأساسية صحيح تماماً، أي لأجل إفشال الجهاد لابد من ضرب ركيزته الإيمانية المتمثلة في الاعتماد على الله والثقة بوعده وكأنه أمر واقع بالفعل، ثم ضرب الاعتماد على الشعب وإضعاف الثقة فيه وعدم التعاون معه. 

وحاليا نرى حركات جهادية منحرفة تعامل الشعوب المنكوبة وكأنها قوة احتلال استيطاني. 

ــ الاعتماد على الشعب كمصدر أساسي / أو وحيد أحياناً / للقوة المادية، يضمن استقلالية القرار السياسي وعدم انحراف مسيرة الجهاد إلى مجرد حرب بالوكالة، وعدم تحويل المجتمع إلى ساحة صراع لصالح قوى خارجية تدفع المال لأطراف داخلية من أجل تفتيت وحدة الشعب وعزله عن قياداته الفعلية وإبعاده عن قضاياه الأساسية. وإشغاله بقضايا ومعارك وهمية أو هامشية لا ضرورة لها.

إن أهداف القيادة الإسلامية ثابتة في وقت الحرب كما في وقت السلم، وهى الحفاظ على أرواح الناس، وأموالهم وحماية مصالحهم الحالية والمستقبلية، وقبل كل شيء إبقاء الإسلام عزيزاً وفاعلاً فوق ساحة الحياة ومصانا من أي عبث جاهل أو معادى، وإعلاء قيم العدل في المجتمع وحرية أفراده في إطار أحكام الشريعة وليس أهواء الحكام أو تسلط المتنفذين سياسياً أو محتكري الثروات والأقوات أو تأثير الأعداء وحروبهم النفسية. 

دروس لأفـغـانـسـتـان من تجارب “الربـيـع المزيـف” :

وكما أن الدروس الأفغانية المعاصرة، ذات فائدة عظمى لجميع المسلمين، خاصة دول الربيع، فإن دروس الربيع الزائف لها فائدة كبيرة لأفغانستان في مرحلة ما بعد التحرير. فالمخاطر التي اتضحت في مناطق الربيع الزائف يمكن أن تهدد أي مجتمع إسلامي آخر وتصل به إلى نفس النتائج الكارثية. ومن تلك التهديدات :

ــ خطورة المسار الديمقراطي الغربي في تفتيت المجتمعات إلى أحزاب متنافرة، فيضيع الإجماع ويتشتت المجهود الشعبي إلى اتجاهات متناثرة وتبرز القضايا الثانوية على حساب القضايا الكبرى التي تمس الجميع وتشكل خطرا على دينهم ودنياهم. 

فتعدد الأحزاب يعنى تعدد مصادر التمويل الخارجي، وتكون الأحزاب تعبيراً عن مصالح الخارج- أي الأعداء أو وكلائه الإقليميين – وتقوم الأحزاب بدور تخريبي لصالح هؤلاء الأعداء، وتملأ حياة الوطن ضجيجاً وخلافات ولا تتطرق بأي قدر من الجدية إلى القضايا الرئيسية للشعب والوطن.

ــ مناخ الديمقراطية الغربية يسمح بإهانة الإسلام وقيمه والتطاول على المقدسات بدعوى حرية التعبير، وباقي الإدعاءات الفارغة مثل حقوق الإنسان وأخواتها. كما يسمح بأعمال الخيانة الواضحة بدعوى أنها مجرد وجهات نظر مسموح بها في مناخ من تعدد الاجتهادات.

ــ تعترضت الحركة الإسلامية بكافة فروعها لمفاسد مناخ الديمقراطية الغربية، وقد أثبت الواقع فشل تلك الأحزاب في ممارسة السياسة بأي معيار إسلامي، إلى جانب تلاشى عملهم الدعوى نظراً لفقدان المصداقية وطغيان السعي نحو الغنائم السياسية. فلا يمكن تمييز الأحزاب الإسلامية في بلاد الربيع عن أي فصيل سياسي تقليدي من حيث انحطاط الممارسات السياسية وانتهازيتها وسعيها الحثيث نحو السلطة على حساب المبدأ والعقيدة وعلى حساب الشعب ومصالح الوطن. فلا السياسة أصبحت بهم إسلامية ولا الدعوة بقت سالمة من تأثير الفساد السياسي والمصالح المالية والتجارية.

{ جاء في مقال لكاتب مصري شهير ما يلي: “إن القضية الآن لم تعد من يتكلم في الدين، وبقدر ما ارتفعت الصيحات الدينية في الشارع بقدر ما ساءت سلوكيات الناس وأخلاقهم، وقليلا ما تجد إماما أو خطيبا يتحدث عن مكارم الأخلاق، لأننا جميعا غرقنا في السياسة” ـ الكاتب والشاعر فاروق جويدة، في جريدة الأهرام، 28 إبريل 2013 }

= حرية التعبير، الرأي والرأي الآخر، حرية الفكر، التعددية الفكرية والسياسية.. الخ كل تلك شعارات مخادعة تسعى إلى عكس ما يمكن ان تفهم به من الوهلة الأولى. 

وفى نهاية المطاف تصبح الخيانة وجهة نظر، ويصبح الدين مجالاً للطعن والتجريح والتحريف، وتضيع القيم والثوابت الدينية لأنها تصبح في نفس الميزان مع جهات النظر القابلة للطعن والرفض والاستخفاف.

فالتعاون مع الأعداء والتحالف معهم يصبح جائزاً ومعقولا بل ومطلوبا من الحكم ومعارضيه. وبيع الأوطان والتنازل عن المقدسات هي اجتهادات يمكن قبولها أو الاعتراض عليها بحرية. وغالباً ما تأخذ طريقها إلى التنفيذ حتى تأخذ الخيانة فرصة في إثبات فائدتها.

ــ في ذلك المناخ يعمل العدو بكل حرية داخل الوطن المبتلى بالديمقراطية الغربية، فتصول أجهزته الأمنية وتجول بكل حرية، وبشكل رسمي يجتمعون بنظرائهم في الحكومات الجديدة، ويبارك الإسلام الديمقراطي كل ذلك ويتعسف تفسير النصوص وشواهد السيرة والتاريخ الإسلامي من أجل ترسيخ التواجد العسكري والأمني للأعداء الذين يزداد تدخلهم في الشأن الداخلي السياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي وحتى الإسلامي. 

ويخترع الإسلام السياسي بدائل عن الأعداء الحقيقيين لصرف الأنظار إليهم وتفريغ طاقات الغضب الشعبي عليهم، فتضيع طاقات المسلمين هباء منثوراً وتنقلب المعايير فيصبح القريب بعيدا والعدو صديقا حميما والأخ عدوا لدودا. 

وبذلك يتحقق أقصى درجات الأمن للأعداء الحقيقيين كي يعملوا بكل حرية في تدمير البلاد.

ــ ينتشر الفساد المالي في موازاة الفساد السياسي، ويمد الجميع أيديهم إلى المال الحرام، وتضيع حقوق الضعفاء لصالح الأقوياء المتنفذين. وتغرق البلد في قروض خارجية باهظة، يضيع معظمها في مسارب الفساد، ويبقى عبء السداد على كاهل الفقراء وأجيال الشعب إلى أبعد الآماد القادمة.

ــ بعض أحزاب الإسلام السياسي، ولسداد فاتورة السماح لها بالمشاركة السياسية، حولت العلاقة بين المذاهب الإسلامية ناهيك من العلاقة مع أتباع الديانات الأخرى – إلى “علاقة حربية” يكون النقاش فيها بأقصى العنف المتاح، ابتداء من الكلمة النابية وصولا إلى العصى ثم الأسلحة بأنواعها. فكان ذلك مصدر سعادة غامرة للأعداء، فهو يسير وفق مخططهم الرامي إلى تفتيت البلاد الإسلامية إلى جزيئات صغيرة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية ولغوية.

# الخطورة في حالة أفغانستان ستكون استثنائية إذا انتقلت إليها تلك الانحرافات الخطيرة من “بلاد الربيع”. 

فموقع أفغانستان الفريد من الناحية الإستراتيجية خاصة في ظروف العالم الحالية – أى ما بعد الهزيمة الأمريكية في أفغانستان وأزمتها الاقتصادية وانحسار دورها السياسي دولياً ــ فأن أهمية أفغانستان (الجيو سياسية) تضاعفت بشكل يصعب على كثيرين تصوره. وبالطبع لن يمارس ذلك الموقع تأثيره بصورة تلقائية، بل عبر عوامل بشرية تكسبه الأهمية والتأثير النادر. من أهم تلك العوامل البشرية :

1- القيادة القوية الكفؤة. 
2- الشعب المتحد.
3- نظام حكم يحظى بالقبول والمصداقية.

من ناحية القيادة ونظام الحكم فلا جدال فيه بالنسبة للشعب الأفغاني. 

فقد أثبتت التجارب منذ عام 1994 أن حركة طالبان والنظام الإسلامي الذي أقامته هو نقطة الإنطلاق للمرحلة القادمة بدعم شعبي ساحق. 
وقد تجلى ذلك بوضوح في مرحلة الجهاد الحالي ضد الاحتلال. فالمساندة الشعبية الكاملة لحركة طالبان عوضها عن المساعدات الخارجية التي انقطعت نتيجة حالة الحصار الدولي الكامل على جهاد الشعب الأفغاني. 
وهو حصار ساهم فيه المسلمون قبل غيرهم، بل وأكثر من غيرهم، حيث توقفوا حتى عن الدعاء لمجاهدي أفغانستان خوفا من أن يغضب ذلك إسرائيل والولايات المتحدة ودول حلف الناتو. وهى الجهات الثلاث التي تهب منها رياح “الربيع” القاتلة.

# وفى ظروف الجهاد الصعبة ضد أقوى تحالف للشر في التاريخ استطاعت قيادة حركة طالبان، ليس فقط من هزيمة عدوها عسكريا بل وأحبطت كافة مساعيه لحرف مسيرة الجهاد نحو الفتنة والاقتتال الداخلي، بل واستطاعت الحركة من توحيد شعبها كأفضل ما كان في أي فترة من تاريخه. 
رغم أن الضغوط التي بذلها العدو وأعوانه من أجل إيقاع الفتنة لم تكن بأى حال أقل من المجهود العسكري. 

ويجب التنبيه هنا وبأقصى قوة أن ترابط الشعب الأفغاني ووحدته هي أهم مفاتيح النصر في مرحلة تحديات ما بعد التحرير، وهى تحديات أخطر وأعظم من تحديات مرحلة القتال المباشر ضد الاحتلال.

# في ظروف أفغانستان القادمة ودورها الكبير المتوقع، المنطلق من موقعها الجغرافى الفريد وانتصاراتها العسكرية الباهرة، ومجاورتها للقوى الدولية الكبرى في ” النظام الدولي القادم”، أو فلنقل إدارة العالم القادمة بعد الأفول الأمريكي، فإن الدور الأفغاني حيوي للعالم أجمع. 

ستكون أفغانستان مؤثرة على مجريات الأحداث في العالم الجديد كما أنها مرشحة لتعديل مسيرة العالم الإسلامي الذي تمزقت أوصاله وأفلست قواه الحركية التي كان يعول عليها فيما مضى، ولكنها تلوثت بأدران الديموقراطية الغربية وحولت العلاقة بين المسلمين إلى صراعات وحروب، وطبيعي أنها لن تتردد في نقل تلك التجربة البائسة إلى أفغانستان حتى لا تبنى أفغانستان نفسها من جديد بعد أربعة عقود من الحروب المتصلة وحتى لا تساهم أفغانستان بدور إيجابي في التأثير على مجريات أحداث إقليمها الأسيوي الحيوي وأحداث العالم، حيث أنها تقع جغرافيا في مركز القوى الجديد المؤثرة عالميا، على حدود كل من الصين وروسيا وإيران والهند. 

جغرافيا تعتبر أفغانستان هي مفصل الاتصال البرى بين تلك القوى الأربع. وهى متكاملة مع إيران ومسلمى شبه القارة الهندية وجمهوريات آسيا الوسطى الخمس ستكون أهم وأخطر كتله إسلامية مؤثرة في مستقبل المسلمين. 

تلك الكتلة هي المعادل الإسلامي للكتل البشرية والاقتصادية العظمى في ذات الإقليم، وهى قوى دولية كبرى في الزمن القادم. 

إذن أفغانستان مرشحة لأن تكون طليعة لكتلة إسلامية كبرى وفعالة ضمن نظام أسيوى يقود البشرية فيما بعد الأفول الأمريكي الأوروبي.

= فإذا لم تكن أفغانستان جديرة بذلك الموقع وذلك التاريخ المجيد، ولم تختر لنفسها دوراً قياديا للعالم والمسلمين كافة، فإنها قد تتلاشى كنقطة ماء في محيط تلك القوى الجبارة التي حولها.

وذلك هو التحدى الأساسي أمام الشعب الأفغاني العظيم وقيادته الإسلامية المجاهدة.